الأخبار- بيروت حمود
«200 ألف متر مربع… ثورة في القدس الشرقية… عشرة آلاف فرصة عمل.. من وادي الجوز إلى وادي سيليكون». عشرات العناوين المماثلة تتصدّر المشهد في القدس المحتلة منذ طرح بلدية الاحتلال واحداً من أضخم المشاريع الاستيطانية الصناعية – التجارية، التي تُهدّد بالقضاء على معالم الأحياء العربية في القدس، وحرمان مئات المقدسيين أرزاقهم. فما حقيقة هذا المشروع؟ وإلى أين وصلت أذرع الأخطبوط الإماراتي في شأن الاستثمار فيه؟
الخطّة المطروحة، التي تحمل اسم «وادي سيليكون»، تتركّز، بحسب الشريط الترويجي الذي نشرته البلدية، في حيّ وادي الجوز، وهو جزء من الخطة الخمسيّة الحكومية «لتطوير القدس وتقليص الفجوات بين غربها وشرقها» بتكلفة إجمالية تصل إلى نحو 700 مليون دولار. ومن المفترض أن تمتدّ شركات «الهاي – تك» على مساحة 200 ألف متر مربع، فيما الفنادق على مساحة 50 ألف متر مربع، والمراكز التجارية على مساحة 50 ألف متر مربع أخرى. وفي تصريحات رئيس البلدية، يشير الأخير إلى أن ثمّة مشروعاً آخر يستهدف تطوير البنى التحتية والشوارع، حيث من المفترض أن يُحوّل 13 شارعاً إلى ما يُعرَف بشوارع الأرصفة.
في هذا الإطار، يلفت المحامي مهنّد جبارة، في اتصال مع «الأخبار»، إلى أن هناك بلبلة نتيجة «التباس الأمر ربّما على وسائل الإعلام، إذ خلط بعضها بين وادي سيليكون ومشروع تنظيم البنى التحتية والشوارع في مركز مدينة القدس»، موضحاً أنه «قبل أيام فقط، أودعت البلدية مخطّطاً ضخماً يُحدّد سياسات التنظيم الإسرائيلية في مركز المدينة للقدس الشرقية». وبالرغم من أن هذا المشروع يُعدّ له منذ 20 عاماً، فقد أعطت بلدية الاحتلال 60 يوماً فقط للسكّان الفلسطينيين للاعتراض عليه. وفي التفاصيل، يَتبيّن أن من شأن المخطّط أن يُبدّل معالم الشوارع العربية، جاعلاً بعضها شوارع أرصفة ضمن الرؤية الإسرائيلية التي ستعتمدها البلدية لتنظيم العقارات والمباني والمساحات الفارغة في مركز المدينة شرق القدس. يؤدي ذلك، وفق جبارة، إلى «تقييد وحصر أيّ تمدّد عمراني مستقبلي في هذه المنطقة، فضلاً عن أنه يحرم السكّان الأصليين من أيّ مشاركة في تحديد الوضعية التنظيمية للأحياء والأماكن التي يسكنونها». كما أنه يؤثر في حياة أكثر من 300 ألف فلسطيني، ويعيق إمكانية التمدّد الديمغرافي؛ إذ إنه يشترط بناء خمس طبقات فقط لكلّ مبنى، في حين تمنح البلدية المستوطنين اليهود في غرب القدس إمكان البناء حتى 16 طابقاً.
يُطلق على المخطّط المذكور أعلاه اسم «مشروع مركز المدينة شرق»، وهو يبدأ من منطقة المصرارة على الشارع الرقم 1، مروراً بشوارع: السلطان سليمان، وصلاح الدين، والزهراء، والأصفهاني، والرشيد، وشارع عثمان بن عفان في وادي الجوز، وصولاً إلى منطقة الشيخ جراح وفندق «الأمريكان كولوني»، انتهاءً بالشارع الفاصل بين شطرَي المدينة الشرقي والغربي. على أن جبارة يؤكد أن هذا المخطّط «لا علاقة له بما يُتداول أخيراً حول مصادقة البلدية على المخطّط العام لمشروع وادي سيليكون، الذي يهدف إلى إغلاق المنطقة الصناعية في وادي الجوز … ومن المتوقع المصادقة عليه نهاية هذا العام».
وبالعودة إلى هذا الأخير، أي «مشروع وادي سيليكون»، فهو يشمل «تطوير وسائل النقل العام، وتوسيع المساحات الخضراء… وكلية تكنولوجية لتدريب المقدسيين وتدريسهم، وتوفير فرص عمل للنساء العربيات»، كما يدّعي رئيس البلدية الاحتلالية. على أن تغيير معالم الأحياء، وقضم كلّ هذه المساحات بداعي «تطوير القدس الشرقية»، ليس كرمى لعيون أهلها، إذ يبدو واضحاً أن الهدف من المشروع وصل شطرَي المدينة المحتلة في إطار ما يُعرف بـ«القدس الموحّدة أو الكبرى عاصمة لإسرائيل»، وطرد المقدسيين من أراضيهم عبر ضرب صلب معيشتهم وأرزاقهم، وهو السبب الوحيد الذي من أجله قد تترك البلدية الإسرائيلية، التي أهملت لسنوات هذه الأحياء، مناطق ما يعرف بالقدس الغربية لتستثمر في شرق القدس؛ إذ كيف من المفترض أن تُوفّر الخطة فرص العمل وتُحسّن حياة المقدسيين، بينما يتحتّم بموجبها هدم 200 منشأة تجارية وصناعية في المنطقة الصناعية الوحيدة التي لا يزال الفلسطينيون يملكونها في القدس، وترك أصحابها من دون عمل؟
وينبّه مدير «مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية»، زياد الحموري، إلى أن «المشروع الذي تسوّق له البلدية منذ مدّة خطير جداً، فهو يهدّد 200 عقار بين منشأة صناعية وأمكنة سكنية بالهدم، وسيمتدّ على طول الشارع في حيّ وادي الجوز، حيث من المفترض أن يربط المؤسّسات مثل المدارس الدينية اليهودية، ووزارة الداخلية ومنطقة الجامعة، وغيرها من المؤسسات الواقعة في المستوطنات المحيطة، بعضها ببعض». ويضيف الحموري،
في حديثه إلى «الأخبار»، أن المشروع «سيجعل المنطقة كلّها تبدو كأنها مساحة جغرافية متصلة تمتدّ حتى منطقة رأس العمود، حيث توجد قبور كثيرة لليهود فوق سلوان وجبل الطور، وهذا يعني أن الممرّ الذي سيقوم عليه المشروع هو ممرّ واسع وكبير جداً».
الدور الإماراتي
بعد عودتها من الإمارات الشهر المنصرم، كشفت نائبة رئيس البلدية الاحتلالية في القدس، فلر ناحوم، أن شركات إماراتية أبدت استعدادها للاستثمار في مشروع «وادي السيليكون». لم يبدُ ذلك مستغرباً في ظلّ مسارعة أبو ظبي إلى التطبيع في شتى المجالات، من تلزيم حجّ الفلسطينيين لـ»شركة موانئ دبي»، وفتح الخطّ البحري للشحن إلى ميناء حيفا المحتلة، إلى تسويق النبيذ الإسرائيلي المصنّع في مستوطنات الجولان السوري المحتل، وليس انتهاءً بتسويق البطاطس الإسرائيلية في محال الخضار. ووفق ناحوم، التي تحدّثت إلى صحيفة «ماكور ريشون» الإسرائيلية، فإن «رجال أعمال وشركات إماراتية أبدوا حماستهم الشديدة للاستثمار والمساعدة، وخاصة أن من مصلحتنا توفير فرص عمل لسكّان هذه الأحياء». وعلى الرغم من أن المقدسيين دائماً ما يستقبلون المطبّعين الإماراتيين بالأحذية، ادّعت ناحوم أنهم «يرون في اتفاق السلام مع الإمارات فرصة لتحسين وضعهم المعيشي والاجتماعي – الاقتصادي… هذه فرصة لربط سكان القدس بالإمارات».
لكن اللافت في حديثها هو أن ما حرّك الإماراتيين للاستثمار في القدس «بحجّة تحسين الوضع الاقتصادي للمقدسيين»، هو قطع الذراع التركية؛ إذ إنها قدّمت لهم «معلومات عن النفوذ التركي في أوساط المقدسيين… ولمست تخوّفاتهم من تحرّكات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، (عبر الجمعيات) هناك». وبحسبها، «غضب الإماراتيون الذين لم يكونوا على دراية بهذه التفاصيل، وأبدوا حماستهم للاستثمار في المشروع، حيث من شأن ذلك أن يُضيّق على أنشطة الأتراك».