كلير شكر-نداء الوطن
أمّا وقد استردت الدولة، ممثلة بوزارة الاتصالات، إدارة قطاع الخلوي لفترة انتقالية (لا احد يدري مدّة هذه الفترة)، بعد “كباش” غير مبرر وغير منطقي استمرّ أشهراً مع المشغّلين “زين” وأوراسكوم”، تتجه الأنظار راهناً إلى طبيعة هذه المرحلة وما يمكن أن تضيفه على القطاع الذي تحوّل من دجاجة تبيض ذهباً إلى مرفق عام ينزف ببطء ويُخشى أن يصير “مؤسسة كهرباء لبنان 2″، اذا لم يسارع القيّمون إلى وضع رؤية اصلاحية تضعه على سكة التطور فترفع من شأنه واستطراداً من إيراداته، وتحميه من الزبائنية والمحاصصة المقيتة التي قضمت خيراته على مرّ العقود.
ولهذا فإنّ التركيز سيكون في المرحلة المقبلة، على طبيعة دفتر الشروط الذي كان ينتظر أن يضعه وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال طلال حواط، ولو أنّ المحيطين به يجزمون بأنّه أنجزه، والذي يفترض أن يؤمّن أرضية جذابة لمشاركة الشركات العالمية من جديد على نحو يصحح الخلل الذي اعترى العقود التي كانت موقعة مع المشغّلين السابقين والتي ساهمت في استباحة المال العام.
أولى المخاوف التي تجتاح أذهان المعنيين هو أن تصير المرحلة الموقتة، دائمة أسوة بما حصل بعد العام 2002 حين استردت الدولة القطاع بعد إلغاء عقود الـBOT، فقررت في حينه إنشاء شركات موقتة لإدارته، واذ صارت الشركتان دائمتين. وتمّت الاستعانة بمشغلين عالميين بحجة أنّ القطاع العام لا يتمتع بالخبرة الكافية في هذا المجال.
المفارقة – الجريمة تكمن في “سقطتين”: الأولى أنّ الشركات الأجنبية سرحت ومرحت في القطاع لعقود من الزمن (16 سنة)، وجنت أرباحاً تقدر بعشرات الملايين وشهدت على هدر بمئات الملايين، لكن الإدارات المتعاقبة لم تكلف نفسها عناء وضع استراتيجية تواكب الحداثة وتحمي المال العام.
أما الثانية فهي ترسيخ فكرة أنّ القطاع هو بمثابة “بئر نفط” لا وظيفة له إلا ضخّ المال في الخزينة العامة وإهمال الجانب الاقتصادي، كونه قطاعاً حيوياً قادراً على تطوير عدد كبير من القطاعات الأخرى أو دفعها إلى التراجع. وعلى هذا الأساس جرى نقل المصاريف التشغيلية في العام 2012 إلى عاتق الدولة بعد سحبها من يديّ الشركتين المشغلتين، ما أفقد القطاع فرصة التطوير وأوقعه في المقابل في فخ الهدر بمئات ملايين الدولارات.
ولهذا يقول المعنيون إنّ القطاع يحتاج إلى مقاربة مختلفة من جانب الدولة، تكون ركائزها:
– تفعيل الدور الرقابي، وهو أمر سيصعب تكريسه في المرحلة الانتقالية طالما أنّ أعضاء مجلسي الادارة الذين اختارتهم الطبقة السياسية الحاكمة هم من بين الموظفين وبعضهم يشغل مواقع أساسية.
– تكريس الحوكمة الشفافة والعمل على ترشيد الانفاق الذي كان باباً للهدر (انفاق أكثر من 400 مليون دولار كمصاريف تشغيلية سجلت في العام 2018 وفق لجنة الاعلام والاتصالات).
– إشراك هيئة المناقصات في اختيار العقود والتلزيمات بعد اعادة النظر بالعقود المستحقة.
في الواقع، اذا لم تبادر وزارة الاتصالات إلى وضع هذه القواعد موضع التنفيذ فإنّ الفجوة المالية التي تحدث طلال حواط عنها (انخفاض المداخيل أكثر من 30%)، مرشحة للتوسّع أكثر.
بالأمس، عقد رئيس لجنة الاعلام والاتصالات النائب حسين الحاج حسن مؤتمراً صحافياً تناول فيه قطاع الاتصالات بعد استرداد الإدارة، ودعا الحكومة المقبلة إلى ضرورة وضع دفتر شروط عصري وشفاف لتلزيم ادارة القطاع وتشغيله بما يؤدي الى تفادي كل الثغرات الموجودة في دفتر الشروط الحالي، مسلطاً الضوء على الشكاوى المرفوعة من جانب بعض الناشطين والمعنيين في هذا السياق.
وأكد أنّ “عملية التسليم والتسلم لا تبرئ ذمة اي شخص ولا اي شركة واذا كان هناك ارتكاب او قضية في القضاء فيجب ان تصل الى نتيجة”، ذلك لأنّ القضاء تمكن من وقف منح براءة الذمة لـ”زين”، لكن “أوراسكوم” غادرت السوق اللبنانية وبراءتها في جيبها.
الملفت أنّ قاضي الأمور المستعجلة كارلا شويخ التي قضت بشطب بند تبرئة الذمة من جدول أعمال الجمعية العمومية لشركة “زين”، ذكرت أنّ “الدولة اللبنانية ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل تحفّظت في لائحتها الجوابية على بند إعطاء براءة الذمة لشركة زين، طالبة شطبه من جدول الأعمال كونه يخفي مصالحة لا يجوز اجراؤها من دون العودة إليها، وفقاً لما تفرضه المادة 20 من قانون تنظيم وزارة العدل التي تنصّ على أنّه “لا يجوز للإدارات العامة التابعة للدولة إجراء المصالحات في الدعاوى العالقة أمام المحاكم والتي يكون للدولة علاقة بها، إلا بعد موافقة رئيس هيئة القضايا ومدير عام وزارة العدل وتعتبر باطلة كل مصالحة تعقد خلافاً لهذا النص”، مؤكدة أنّه لا يجوز التذرع برفض اعطاء براءة الذمة لعدم إجراء عملية التسليم والتسلّم.
إلى ذلك، كرر الحاج حسن المطالبة بتأليف لجنة تحقيق برلمانية لقطاع الخلوي، وهذا الطلب ما زال موجوداً وسنستمر في العمل لادراجه في الهيئة العامة لمجلس النواب. ومن يطلع على الاقتراح المقدم من النواب، يضع يديه على محضر موثق لرزمة المخالفات الدستورية والقانونية والمالية التي وقّعت خلافاً للاصول والقوانين، لا سيما في مجال:
– إستئجار ثم شراء مبنى لصالح شركة تاتش بين عامي 2018 و2019 في الوسط التجاري بمبلغ 75 مليون دولار وتجهيزه بقيمة 22,6 مليون دولار من دون استدراج عروض أو مناقصة خلافاً لمضمون عقد التشغيل.
– إستئجار مبنى آخر لشركة تاتش عام 2012 بالطريقة المخالفة نفسها في محلة كاليري سمعان بشكل كبّد الدولة عبئاً يفوق العشرة ملايين دولار، فيما أقام مالك البناء دعوى قضائية مطالباً بقيمة عشرة ملايين دولار كعطل وضرر عن الايجار عن المدة المتبقية للعام 2019.
– إستئجار شركة “ألفا” مقراً لها في مجمع أبي اللمع في الدكوانة بالطريقة المخالفة ذاتها وقد احتفظت باستئجار المباني في منطقة الشفروليه.
– إستئجار الشركتين مراكز بيع وعقارات ومباني وسطوحاً لتركيب محطات بمبالغ تفوق بكثير قيمتها الفعلية ومن دون استدراج عروض أو مناقصات، بحيث ان تلك المأجورات قد جرى اختيارها على قاعدة التنفيع والزبائنية واحياناً من دون حاجة فعلية اليها.
– التبرعات والمساهمات والرعايات وتلزيمات تطوير القطاع وصيانته بملايين الدولارات، وتغييرات غير موجبة ورمي بعضها وشراء وتكديس مواد وبطاريات وغيرها من القطع بملايين الدولارات ورمي بعضها في المستودعات، وشراء نظام للفوترة لم يعمل حتى الآن وقد انتفت صلاحيته.
– إجراء تلزيمات وعقود مع شركات لتقديم خدمات صيانة وخدمات اضافية VAS ومنحها بطريقة حصرية لبضعة اشخاص او شركات خلافاً للاصول. في الواقع، إنّ لجنة الاتصالات تبرّعت لتكون واجهة مساءلة الحكومة في هذا المجال، واستنطقت الوزراء والمدراء، وأفضت إلى مضبطة اتهامية. لكن الوزير الحالي في حكومة تصريف الأعمال لم يعتبر نفسه معنياً بتلك الجردة للعمل على تصحيح بعض الخلل، ولا حتى القضاء بدا مهتماً بالإخبار عن هدر بمئات ملايين الدولارات، فيما “زين” و”أوراسكوم” ابتزتا الدولة للحصول على براءات ذمة!