ملاك عقيل – أساس ميديا
قبل أن يغطّ في بيروت باتريك دوريل، مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأدنى، كان الوسيط الفرنسي قد حاول جاهداً تفكيك الألغام الحكومية “هاتفياً” فاتحاً خطوط التواصل مع مختلف القوى المعنيّة بالتأليف.
كان دوريل يتحدّث باسم كبار مستشاري الإليزيه إيمانويل بون، المكلّف بدوره تأمين مقوّمات عقد مؤتمر المجموعة الدولية لدعم لبنان GIS (Groupe International de soutient) فيما الحكومة هي الممرّ الالزامي لهذا المؤتمر.
وفق المعلومات، تعرّض الفرنسيون لضغوط في هذا السياق من جانب الدول الداعمة: “لا إمكانية لعقد هذا المؤتمر في باريس، وإن عن بعد، طالما ليس هناك حكومة في لبنان”.
تقاطع هذا الواقع مع هواجس فرنسية – أميركية تقول إنّ الاتجاه السائد هو صوب ولادة حكومة قد تخضع لابتزاز سياسي في حال تمكّنت الأحزاب من فرض أزلامها وشروطها عليها، أي العودة إلى الأساليب التقليدية في إدارة الحكم. وقد شهد دوريل نفسه فصولاً من هذا الواقع عبر متابعته العراقيل التي تعترض ولادة الحكومة منذ تكليف سعد الحريري.
يتوقع أن يبقى دوريل في بيروت التي وصلها مساء أمس ليومين مع احتمال التمديد في حال اقتضت الحاجة ذلك وهو الأرجح. وهي مهمّة محفوفة بالمخاطر لناحية أمرين أساسيين وفق مصادر مطّلعة على التحرّك الفرنسي:
– الأول: هو المهلة القصيرة الفاصلة عن موعد المؤتمر المؤجّل لدعم لبنان، المفترض عقده نهاية شهر تشرين الثاني الحالي، والذي يشترط رعاته وجود حكومة تواكب انعقاده إنقاذاً للبنان من ورطته. والتحضير لهذا المؤتمر بحدّ ذاته بات مهمّة شاقة تختلف عن المناخات التي رافقت المؤتمر، الذي انعقد لتقديم المساعدات الانسانية في آب الماضي، وحصل بنتيجته لبنان على مساعدات إنسانية بقيمة 250 مليون يورو. يومها تولّى ماكرون الاتصال شخصياً بالرئيس الأميركي دونالد ترامب لدعوته إلى المشاركة في الاجتماع الدولي الذي خصّص للدعم الإنساني بعد انفجار المرفأ.
في المرحلة الراهنة الإدارة الأميركية في مرحلة انتقالية ولا يُعرف بعد توجّهها حيال المشاركة في مؤتمر لدعم لبنان اقتصادياً في ظلّ حكومة تنازع لولادتها، وإن ولدت قد ترافقها علامات استفهام حول “أهليتها” لقيادة المرحلة. يضاف إلى ذلك سيف العقوبات ذات المروحة الواسعة التي قد يكون لها تأثيرها المباشر على تشكيل الحكومة.
– الثاني: يباشر دوريل مهمّته بنية التشمير عن زنوده و”الغطس” في العقبات التي تحول حتى الآن دون ولادة الحكومة. هي جولة جديدة، برأي المصادر، من التأنيب واللوم بسبب العجز عن تفهّم خطورة المرحلة وعدم الاقتناع بعد بضرورة ملاقاتها بحكومة قادرة على مواجهة استحقاقات تصفها الدوائر الفرنسية بـ”الخطيرة”، مع التحذير المستمر من الانهيار الوشيك للبنان مالياً واقتصادياً.
ولن يُفاجأ الوسيط الفرنسي بكون العقد الحكومية على حالها: الغطاء الفرنسي لإبقاء حقيبة المال بيد الطرف الشيعي قاد إلى تعقيدات تفرّعت عنها مشاكل تحاصر رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف معاً وعلى رأسها العجز عن تثبيت “توزيعة” جديدة للحقائب على الطوائف بناء على هذا الاستثناء، إضافة إلى معضلة عدد الوزراء في الحكومة واقتراح الأسماء وإسقاطها على الحقائب. ومن هذا المربع سيستكمل دوريل ما بدأه في الفترة الماضية.
وفق المعلومات، سيكون التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان و”كشف أرقام النظام المصرفي” بنداً على طاولة النقاش.
فالرئيس الفرنسي كان قد أعلن أمام القوى السياسية اللبنانية، خلال زيارته لبنان في 1 أيلول الماضي، عن استعداد فرنسا لاستضافة مؤتمر لدعم لبنان اقتصادياً بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. يومها كان مصطفى أديب قد تكلّف لتوّه بتشكيل الحكومة، فكان المطلوب فرنسياً حكومة وإصلاحات و”تدقيق جدّي في الحسابات” كمدخل إلزامي لوضع المجتمع الدولي ثقته بدولة تتلقّى مساعدة تستحقها.
لكنّ العراقيل التي اعترضت مهمة التدقيق الجنائي شكّلت علامة استفهام جدّية لدى الفرنسيين مع ميل لاعتباره من الشروط الأساسية لنيل لبنان أيّ دعم مالي واقتصادي محتمل.
وتترافق زيارة دوريل إلى لبنان مع مناخات أميركية تعكسها مصادر مطلعة بالإشارة إلى أنّ “الأميركيين يفصلون بين العقوبات وبين الوضع الداخلي اللبناني، حيث لا قرار أميركياً بالفوضى في لبنان ويحاذرون من دفعه إلى حافة الانهيار الشامل”.
وفيما لم يتثبّت حتى الآن موعد انعقاد مؤتمر المانحين نهاية الشهر الحالي، مع العلم أنّ تأجيله مرة جديدة احتمال قائم، فإنّ الإدارة الأميركية، وفق المصادر، التي تطالب كالفرنسيين بالإصلاحات شرطاً لأيّ مساعدات، ترغب في التأكّد من أنّ الأموال التي ستُقدّم في أيّ مؤتمر ستسلك مسارها المفترض. وهنا سيكون صعباُ توقّع ظهور ترامب “المهزوم” مجدّداً خلف شاشة “zoom” متحدّثاً عن مساعدة لبنان اقتصادياً!
وتشير المصادر عينها إلى أنّ “الاتصالات الثلاثية الفرنسية – الأميركية – البريطانية في شأن لبنان لم تتوقف خلال المرحلة الماضية رغم الانشغال الأميركي بالانتخابات. ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يتحضّر لجولة واسعة يدشّنها من فرنسا، حيث سيلتقي ماكرون، وصولاً إلى الإمارات وقطر والسعودية، ولبنان بالتأكيد سيكون في صلب جدول أعمال هذه النقاشات”.