الأخبار- رجب المدهون، ريم رشيد
كما كان متوقعاً، لم تكمل جولة المصالحة الفلسطينية الأخيرة أكثر من شهرين. سريعاً، خفّضت «فتح» تواصلها مع «حماس»، مُعلّقةً آمالها كافة على إدارة جو بايدن، بل قَدّمت سلفاً إلى الأخيرة مجموعة خطوات «حسن نية»
وتتوقع المصادر أن تواصل «فتح» إدارة ظهرها للمصالحة، وتأجيل عقد الاجتماع الثاني للأمناء العامين للفصائل، والمصير نفسه للانتخابات، خاصة أن أمين سرّ «اللجنة المركزية لفتح»، جبريل الرجوب، طلب من قيادة «حماس» التمهّل في المصالحة حتى «إنهاء العقبات التي تُؤخّرها». مع ذلك، مارست الأخيرة ضغوطاً على «فتح»، عبر الاتصالات الثنائية والإعلام، لدفعها إلى تسريع المصالحة بغضّ النظر عن أيّ مؤثرات، لكن هذا لم ينجح. ومع أن مسار المصالحة لم يكن مرتبطاً بالإدارة الأميركية، يعوّل «أبو مازن» على أن فوز بايدن سيُرجع الأمور إلى ما كانت عليه في عهد باراك أوباما، وعودة الدعم المالي للسلطة، وفتح مقرّ «منظمة التحرير» في واشنطن، ما يعزّز وضعه مجدداً.
عودة «التنسيق» كاملاً
يتطابق ما سبق مع ما نقلته مصادر «فتحاوية» قالت إن الرئيس يستعدّ لعودة التنسيق مع الإدارة الأميركية، وقبول تسلم أموال الضرائب «المقاصة» من الإسرائيليين بعد توقفه عن تسلمها منذ قرابة عام ونصف عام، على أن يعلن هذه الخطوات قريباً، وتحديداً بعد الإعلان الرسمي لفوز بايدن. في هذا السياق، قال مصدر في حكومة رام الله إن السلطة في صدد تسلم «المقاصة» الشهر الجاري عقب مشاورات أفضت إلى عودة هذه الأموال عبر وسيط أوروبي. وأشار المصدر، الذي فَضّل ألا يُذكر اسمه، إلى أن «الجانب الإسرائيلي وافق على ألّا تُقتطع أيّ مبالغ من هذه الأموال تحت أيّ شرط»، مضيفاً: «أيّ اقتطاع سيكون بالتوافق بين السلطة والجانب الإسرائيلي بإشراف الوسيط الأوروبي».
المصدر نفسه كشف أن هذا القرار يأتي بالتزامن مع «عودة العلاقات (التنسيق الأمني)»، لافتاً إلى أنه «منذ بداية الأزمة، هناك حديث جدّي من الحكومة عن أن الأزمة (المقاصة والتنسيق) ستنتهي في نوفمبر (تشرين الثاني) لأن القيادة الفلسطينية كانت في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية… فوز بايدن مصدر ارتياح كبير للسلطة، كأنه ألقى حبل النجاة لها». ومع أن بايدن تَعهّد في نيسان/ أبريل الماضي بإبقاء السفارة الأميركية في موقعها الجديد في القدس المحتلة، فإنه أعلن أنه «سيبقى ملتزما بحلّ الدولتين»، كما رحّب باتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين والعدو.
أيضاً، قال المصدر إن عودة «التنسيق الأمني» هي من «بوادر حسن النية تجاه الإدارة الأميركية الجديدة»، مستدركاً: «التنسيق الأمني لم يتوقف أبداً، بل ما تَوقّف هو التنسيق في الشق المدني». تعقيباً على ذلك، يقول القيادي في «فتح»، عبد الله عبد الله، إن هناك «أكثر من طرف يعملون على حلّ أزمة المقاصة، ومنهم منسّق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، والأوروبيون من جهة أخرى»، مضيفاً: «القيادة متمّسكة بأن تكون عودة المقاصة من دون أيّ اشتراطات، فهذه أموال الشعب الفلسطيني». يُذكر أن رام الله لمّحت بداية الشهر الجاري إلى أن «أزمة المقاصة في طريقها إلى الحلّ… ما سيُمكّننا من صرف رواتب الموظفين كاملة». وطوال شهور كانت إسرائيل تقتطع شهرياً 42 مليون شيكل (12 مليون دولار) بذريعة أنها مخصصة لرواتب الشهداء والأسرى، علماً بأن «المقاصة» تبلغ نحو 750 مليون شيكل شهرياً (200 مليون دولار)، وتُشكّل 70% من إيرادات السلطة، لتُغطّي بدورها 70% من فاتورة الرواتب البالغة 600 مليون شيكل (166 مليون دولار).
«الأونروا» تؤخّر رواتبها
من جهة أخرى، وعلى رغم ظهور مؤشرات على عودة الدعم الأميركي لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، أثار إعلان المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، أنها تفتقر إلى الأموال اللازمة لدفع رواتب موظفيها المُقدَّر عددهم بـ28 ألفاً عن تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر حفيظةَ الفصائل الفلسطينية التي وصفت ذلك بـ«القرار الخطير». وكان المتحدث باسم «الأونروا»، سامي مشعشع، قد تحدث عن «مؤشرات إيجابية» على عودة الدعم الأميركي الذي انقطع منذ 2018، والمُقدَّر بـ350 مليون دولار، مضيفاً: «إذا رجعت المساعدات الأميركية، وإذا نجحنا في عقد مؤتمر دولي… وإذا نجحنا في إرجاع الدعم العربي إلى ما كان عليه في 2018، سيكون العام المقبل أحسن بكثير من هذا العام».
في تشكيك في قرار تأخير الرواتب، قالت «حماس» إن «الأزمة المالية لدى الأونروا مصطنعة لأسباب سياسية تهدف في النهاية إلى شطب ملف اللاجئين وتصفية عمل المؤسسة»، مُحذّرة من أن تقليص الرواتب «ستكون له تداعيات سلبية جداً على حياة آلاف الأسر الفلسطينية، خاصة في الظروف الراهنة وجائحة كورونا واستمرار حصار قطاع غزة. كذلك، أعلنت «اللجنة المشتركة للاجئين» رفضها لاستهداف رواتب 28 ألف موظف، منبّهةً إلى أن الإجراء الجديد «سابقة خطيرة تجاه موظفي الأونروا، ومساس بالعصب الرئيسي لها».
قلق إسرائيلي في ذكرى أبو العطا
ميدانياً، يواصل العدو الإسرائيلي استعداداته وتدريباته في منطقة «غلاف غزة»، من جرّاء تقديرات أمنية تدّعي أن «الجهاد الإسلامي» ستُنفّذ عمليات انتقامية في ذكرى اغتيال القيادي العسكري في الحركة، بهاء أبو العطا، والتي تصادف اليوم. وعزّز جيش العدو بطاريات «القبة الحديدية» في المناطق المحيطة بالقطاع، كما أمر بتغيير حركة الطائرات في مطار بن غوريون، علماً بأن الإجراء الأخير لا يحدث إلا في أيام التأهّب الأمني الاستثنائي أو التصعيد العسكري الكبير، وفق تقرير لصحيفة «يديعوت أحرونوت». وطوال الأسبوع الماضي، كانت الصحافة العبرية تنبّه إلى خشية المستوى الأمني من تصعيدٍ تقوده «الجهاد» في غزة، فيما يواصل الجيش والجهات الأمنية والعسكرية كافة حالة التأهّب.