ناصر قنديل-البناء
– شكلت الإقالة المستعجلة لوزير الدفاع الأميركي مايك إسبر، بالنسبة لإدارة تعدّ الباقي من أيامها، وما رافقها من تحليلات وتعليقات ومواقف تحذّر من خطورة إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مغامرة عسكريّة، مناسبة لتساؤلات تطال فرضية قيام ترامب بإصدار الأوامر باستهداف المنشآت النوويّة الإيرانيّة. وتشارك في هذه التساؤلات أكثر من فريق، أعداء إيران وقوى المقاومة لم يكتفوا بطرح تساؤلات بل عبروا عن رغبات وتمنيات وبدأوا حملة ترويج تنسجم مع حاجتهم لتعزية في خسارتهم لموقع ترامب في البيت الأبيض وخشيتهم من مبادرة الرئيس المنتخب جو بايدن لإعادة العمل بالتفاهم النووي مع إيران. الفريق الثاني تمثل بالاهتمام الإيراني ولدى فريق المقاومة ومناصريها من موقع القلق من خطوة تقلب الطاولة بوجه الجميع، خصوصاً أن التشجيع والتحريض الإسرائيليّ على عمل عسكري أميركي يستهدف إيران لم يتوقف منذ إعلان ترامب الانسحاب من التفاهم النووي مع إيران. أما الفريق الثالث فتتسع مساحته من الفريق المعاون لبايدن الى مؤسسات الإعلام الأميركي وصولاً إلى المؤسسات الأوروبية السياسية والإعلامية، وصولا لاهتمام روسي وصيني ينطلق من إدراك احتمالات التهور في إدارة ترامب من جهة، وحجم المخاطر المترتّبة على أية مغامرة عسكرية في هذا التوقيت وتداعياتها على كل المعادلات السياسية والعسكرية وعلى الاستقرار الأمني والسياسي في العالم من جهة مقابلة.
– لأن السياسة هي فن المواءمة بين المنطلقات والإمكانات، كمحاولة لردم فجوة الوقت بينهما، فالنقاش يبدأ من المنطلقات وينتهي بالإمكانات، ولأن البحث بالمنطلقات ليس عقائدياً ولا منهجياً بل محكوم بالظرفية، باعتبار مثل هذا الخيار كان مستبعداً قبل حلول اللحظة الانتخابيّة وحراجتها، رغم وجود الاعتبارات العقائدية لدى ترامب وفريق عمله. والبحث في المنطلقات هنا هو بحث بمدى تشكيل التفكير بمغامرة عسكريّة مدخلاً لتغيير المسار الذي ارتبط بالإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، ولأن الحرب تقع عندما يقع أحد فريقيها بسوء تقدير للإمكانات، مبالغة بتقدير إمكاناته أو تخفيفاً وتهويناً في تقدير إمكانات خصمه، فإن نقاش الإمكانات يقصد به وعي إدارة ترامب وفهمها لتوازن القوى الذي يعكس الإمكانات.
– في المنطلقات يشكل الحديث عن فرضيّة مغامرة عسكريّة مصدراً للبحث في ثلاثة شروط يجب توافرها، الأول هو شرط أميركي داخلي سواء على مستوى الرأي العام أو الكونغرس أو المؤسسة العسكرية، والثاني هو شرط سياسي يرتبط بقراءة النتائج المفترضة لهذه المغامرة، وهنا أيضاً أسئلة عن نوع التغيير الذي سينجم عن هذه المغامرة على القضية الأساس وهي نتيجة الانتخابات ومصير الرئاسة الأميركية، وعن حجم التأثير على الاعتراف بشرعيّة الرئيس ترامب داخلياً وخارجياً، والنظرة نحوه ونحو أهليّته لقيادة قوة بحجم أميركا ومن خلالها قيادة مفترضة على المستوى العالمي في ظل انقسامات كبرى أحدثتها خطواته السابقة وأفقدته الكثير من الثقة بهذه الأهليّة، والثالث هو شرط ظرفيّ، أي تطور في الموقف الإيراني وفي الملف النووي الإيراني، والنشاط العسكريّ الإيراني يشكل نقطة انطلاق لتفسير وتبرير نقلة نوعية بهذا الحجم في سياق المواجهة، والشرط الظرفيّ ليس فبركات يمكن تلفيقها تدّعي الإدارة علمها به بمقدار ما يحتاج نسبة عالية من الشرعيّة تبدأ من الوكالة الدولية للطاقة الذرية كمعنيّ أول بالملف النووي الإيراني، يعلن عن وصول متابعة الوكالة لهذا الملف الى طريق مسدود.
– في دراسة معادلة الإمكانات، وكيفية نظرة إدارة ترامب لها بالتحديد، ثمة وقائع سابقة لتاريخ فرص التصعيد وفرضيات المواجهة، وفيها إسقاط طائرة التجسس الأميركيّة العملاقة وكيفيّة تعامل إدارة ترامب معها، وانكفاؤها السريع تجنباً للمواجهة، ونموذج ما بعد عملية استهداف منشآت آرامكو في السعودية وتفادي إدارة ترامب مخاطر التصعيد، أما استحضار نموذج اغتيال الجنرال قاسم سليماني فيحضر قبالته خطر ردّ أشد هذه المرة، خصوصاً أن الجانب الإيراني كان واضحاً في تهديده من ردّ يستهدف العمق الإسرائيلي وخصوصاً مفاعل ديمونا، في حال أيّ ردّ أميركي على الردّ الذي استهدف قاعدة عين الأسد الأميركيّة في العراق، بالإضافة الى استهداف القواعد والأساطيل الأميركية في الخليج. وهنا يطرح البعض سؤالاً معاكساً، هل يمكن أن تستثمر إيران وقوى المقاومة مغامرة ترامب المفترضة لفرض تغييرات في الخريطة العسكريّة الإقليميّة، بحيث يواجه الرئيس الأميركي المنتخب وقائع معاكسة لما كان يرغب ترامب له أن يراه.