وليد شقير-نداء الوطن
قلبت الديبلوماسية الأميركية صفحة المراهنة على إمكان تغيير رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ومعه الرئيس ميشال عون، نهجه السياسي، حين اضطرت السفيرة الأميركية دوروثي شيا أول من أمس إلى الإفصاح عن بعض ما دار بينها وبينه، رداً على روايته للتفاوض الذي أجري معه حول سياسة الالتصاق من قبله بـ”حزب الله”.
ولو لم يكن من ضرورة لما كشفت شيا عن جزء يسير مما دار بينها وبين باسيل. فليس مألوفاً في التقاليد الديبلوماسية أن يحصل ذلك. لكن باسيل تمادى كعادته في استسهال المناورة والتشاطر والتذاكي وتحوير الوقائع، والنطق بعكس الحقيقة، لإيمانه بأنها ممارسة مشروعة في العمل السياسي في لبنان. بل هو يعتقد أن من لا يفعل ذلك يكون غبياً ولا يفقه شيئاً في السياسة وألاعيبها ولا يعرف من أين تؤكل الكتف وكيف تتحقق المكاسب، على أنواعها المتعددة. ولطالما استسهل قول الشيء وعكسه باللعب على الكلام، والسير على حبل التناقضات الفاضحة، كما في مؤتمره الصحافي الأحد الماضي حين اعتمد سياسة الممالقة مع “حزب الله”، و”اتهمه” في الوقت نفسه بأنه سيأخذ البلد إلى الفتنة الطائفية إذا عاد عن تحالفه معه، وحين غازل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن في معرض الهجوم على معاقبته، وعندما قدم عروض السلام مع إسرائيل… وحين اتهم الرئيس المكلف سعد الحريري بتأخير الحكومة ثم قال إن الحكومة ستتأخر إذا لم يؤخذ بشروطه، على رغم أنه أعلن أنه لا يتدخل في التفاوض على التأليف ويتركه للرئيس… إلخ.
تعامل باسيل مع الدولة العظمى كعادته، كأنه يتعاطى بحذاقة بلدية وتذاكٍ مع أحد السياسيين اللبنانيين، متسلحاً برئاسة عمه وبدعم “حزب الله”. ألم يصبح مضحكة الإعلام الغربي، حين قال في أحد تصريحاته لـ”سي.أن.أن.” أنه سيعلّم أميركا وبريطانيا كيف يبقى بلد من دون موازنة؟
توازي ضربة الكشف من قبل شيا عن عرضه الاستعداد للانفصال عن “حزب الله”، وإمكان أن تشمله مع غيره، “عقوبات أخرى”، وعن “تسريبه معلومات انتقائية” وعن “نقص في فهمه السياسة الأميركية” ونصائح مستشاريه له، إدراج إسمه على لائحة العقوبات. وفي رده لم ينفِ ما قالته ومن الطبيعي إزاء كل ما اقترفه أن يرتبك ويخاف، ويصاب بالدوار مما حصل له، ويخبط خبط عشواء ويمتد هجومه من أميركا إلى رفاق له في “التيار الوطني الحر” اتهمهم بالخيانة. وتعامل مع التحذيرات له بخفة مراهناً على أن إدارة دونالد ترامب راحلة بعد الانتخابات الرئاسية.
تشبه الصفعة – الفضيحة التي وجهتها السفيرة شيا لباسيل في ردها على ما ساقه، مقدمات ذلك الموقف الأميركي من عمه العماد ميشال عون في أواخر ثمانينات القرن الماضي حين تمترس في قصر بعبدا وأخذه جموحه نحو رئاسة الجمهورية إلى خوض حروب بالجملة، وصولاً إلى تحدي واشنطن، فأعطت الضوء الأخضر للجيش السوري كي يخرجه من القصر. الأخير يتماهى مع صهره بالكامل، بل يشجعه على النهج الذي يعتمده، ويدعوه إلى المثابرة حتى لو أخطأ، ويعتقد أن لديه الوقت للتصحيح.
بعد العقوبات، يتلقف “حزب الله” باسيل وعون أكثر، فيتجاوز الريبة التي عامله فيها نتيجة غزله السابق مع واشنطن، فيجيش أحزاباً في فلكه للتضامن معه لأن عرقلة تأليف الحكومة بالنيابة عنه إحدى وظائفه المتبقية.