دول خليجية تُرتّب علاقاتها مع سوريا..ولبنان يتفرّج
-عبد الكافي الصمد- سفير الشمال
تنطلق بعد غد الأربعاء في العاصمة السّورية دمشق فعاليات المؤتمر الدولي المتعلق بملف النّازحين السّوريين، وسط تساؤلات عن مدى نجاحه، وعن الدول والجهات التي ستحضره، وتلك التي يتوقع أن تقاطعه، والنتائج والمقرّرات التي يتوقع أن تصدر عنه، وما إذا كان العدّ التنازلي لهذه الأزمة قد بدأ فعلاً.
لبنان باعتباره واحداً من دول جوار سوريا، ومعنياً مباشراً بملف النّازحين بسبب وجود قرابة مليون نازح سوري على أراضيه، حسب إحصائيات هيئة المفوضية العليا لشؤون النّازحين، وتداعيات هذا الوجود إقتصادياً ومالياً وإجتماعياً وأمنياً عليه، لا يبدو تعاطيه مع المؤتمر منسجماً مع أهميته، ولا مع كون لبنان بلداً معنيّاً مع ملف النّازحين بشكل مباشر، عدا عن مصالح لبنان المتشابكة والمتداخلة مع سوريا، والتي لا تقلّ أهمية عن ملف النّازحين، والتي يشكل المؤتمر مدخلاً وفرصة لإعادة ترتيب العلاقات بين بلدين تربطهما علاقات إستراتيجية واسعة على أكثر من صعيد.
فلبنان الذي تلقى دعوة رسمية لحضور المؤتمر من وفد روسي رفيع المستوى زار لبنان في 28 تشرين الأول الماضي، وشدّد أمام من التقاهم من الشخصيات على أهمية مشاركة لبنان في المؤتمر، لما له من مصالح كبيرة في ذلك، تعاملت السلطات اللبنانية معه ببرودة وقلة اهتمام لا يمكن تبريرهما، إلا بأنّهما إستجابة لضغوط خارجية بهدف مقاطعة المؤتمر، أو تمثيل لبنان فيه بالحدّ الأدنى، وكأنّ المؤتمر سوف يعالج موضوعاً هامشياً لا مصيرياً بالنسبة للبنان، وهو ما ترجم بقرار رسمي أن يقتصر حضور لبنان في المؤتمر على سفيره في دمشق سعد زخيا، وأن يلقي وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة كلمة بالفيديو.
مشاركة لبنان الخجولة في مؤتمر دمشق للنّازحين أثارت علامات إستغراب وتساؤلات حولها، فضلاً عن البرودة وشبه الجمود في العلاقات بين البلدين منذ سنوات، وبقرار لبناني، برغم علاقات مميزة تربط بين لبنان وسوريا قد أقرّها إتفاق الطائف، وقارنها البعض بدول عربية أخرى إتخذت مؤخراً مواقف لافتة، كما شهدت علاقاتها مع سوريا تحوّلات هامة، برغم أن هذه البلدان لا تعاني من مشاكل وجود نازحين سوريين فيها مثل لبنان، ولا تربطها علاقات مميزة واستراتيجة مع دمشق كما هو حال بيروت.
من بين هذه الدول تبرز الإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان والسعودية، التي اتخذت في الآونة الأخيرة خطوات ومواقف لافتة، فُسّرت بوضوح على أنّها تهدف إلى تصحيح علاقاتها مع دمشق وإصلاحها الأخطاء التي ارتكبتها مع سوريا، ومراجعة نقدية لها بعد نحو10 سنوات من أجل إعادة ترتيب علاقتها مع الشّام.
فالإمارات التي أعادت فتح سفارتها في دمشق في 27 كانون الأول عام 2018، بعد إغلاقها لسبع سنوات تقريباً، في خطوة أثارت الكثير من الإنتباه، كانت مقدمة لإعادة دول عربية أخرى فتح سفاراتها في دمشق، وهو ما فعلته البحرين في اليوم التالي، لولا الضغوط الأميركية التي أجبرت كثيرين على لجم إندفاعتهم نحو دمشق.
غير أن التقارب الإماراتي ـ السّوري لم يتوقف عند هذا الحدّ، إذ يوم السبت الماضي، وقبل مؤتمر دمشق بأيّام، غرّد وزير الدولة للشّؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، بأنّ “الأزمة السّورية بحاجة إلى مقاربة جديدة”، وأكّد أنّ “الدور العربي ضروري لإنهاء العنف والإقتتال”، وموضحاً أنه “لا يمكن أن يستمر العنف بأبشع صوره وكأنّه عمل طبيعي وخبر عادي”، ومشدّداً على أنّ “التوجه والدور العربي ضروري لينهي العنف والإقتتال عبر رؤية واقعية وبراغماتية، دون ذلك سيستمر الصراع على سوريا الشقيقة”.
أمّا سلطنة عُمان فإنّها عيّنت، في 5 تشرين الاول الماضي، سفيراً لها فوق العادة في دمشق، وأعقبت ذلك تسريبات صحافية عُمانية تحدثت عن أنّ الرئيس السّوري بشّار الأسد سيقوم بـ”زيارة وشيكة” إلى مسقط.
ومع أنّ السعودية لم تقم بخطوة مشابهة للدول الخليجية الأخرى، فإنّها إتخذت أواخر الشهر الماضي قراراً يسمح للشاحنات السورية بعبور أراضيها عبر إعطاء السائق السوري “فيزا” عند معبر حديثة الحدودي بين السعودية والأردن، ما يُشرّع معابرها أمام تدفق الصادرات السورية إليها وإلى بقية دول الخليج.
كل ذلك يدفع للتساؤل: هل السلطات اللبنانية على علم بما يجري على هذا الصعيد، وكيف ستتعاطى مع هذه التطوّرات على بعد يومين من مؤتمر دمشق للنّازحين، وهل ستكتفي بالوقوف متفرجة من غير أن تبادر إلى اتخاذ أي خطوة يستدلّ منها بأنّها حريصة على مصالح لبنان واللبنانيين قبل أي اعتبار آخر؟.