الوقت- لا يخفى على أحد التحول الذي شهدته العلاقات السورية_الإماراتية منذ بداية الأزمة السورية وحتى يومنا هذا، حيث شهدنا تحولاً مفصلياً في العلاقات بدأت شرارته بين عامي 2014_2015 وهي المرحلة التي بدأت فيها الامارات تنسحب رويداً رويداً من تقديم الدعم للجماعات السورية المعارضة، إلى أن ترجمت انزياحها التام نحو الحكومة السورية في العام 2018 عندما أعادت فتح سفارتها في دمشق في كانون الأول من ذلك العام، وبكل تأكيد كان للإمارات أهداف خاصة بها من الإقدام على هذه الخطوة، إضافة إلى التغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة.
اليوم تطالب الإمارات وعلى لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، بإنهاء الأزمة السورية وإيجاد حل لها، حيث أكد أن “الأزمة السورية بحاجة إلى مقاربة جديدة من أجل إنهاء العنف والاقتتال”. وقال قرقاش، في تغريدة على حسابه الرسمي على “تويتر”، “الأزمة السورية الممتدة بحاجة إلى مقاربة جديدة فلا يمكن أن يستمر العنف بأبشع صوره وكأنه عمل طبيعي وخبر عادي”.
وأضاف: إن “التوجه والدور العربي ضروري لينهي العنف والاقتتال عبر رؤية واقعية وبراغماتية، دون ذلك سيستمر الصراع على سوريا الشقيقة”.
وكان قرقاش، قال مؤخراً: إن التداعيات الخطيرة المحيطة بسوريا هي تداعيات للانقسام العربي الحالي، مضيفاً إن دول عربية انهارت مؤسساتها وانتهكت سيادتها وغدت مهددة في وحدة ترابها الوطني.
خروج الإمارات من دائرة المعارضة للحكومة السورية والذهاب نحو الاعتراف بها ودعمها بكل السبل المتاحة، هو دليل على أن هناك تغيرات سياسية أجبرت الإمارات إلى تغيير توجهاتها، ومن أبرز هذه التغيرات، سيطرة الجيش السوري على أغلبية مساحة البلاد، ومسك زمام المبادرة، بعد أن كانت أغلبية البلاد خارج سيطرته في الربع الأول من الأزمة، ويمكن القول بجرأة أن الامارات بدأت تقترب من الحكومة السورية عندما تأكدت أن الجيش السوري لن يهزم بعد الآن وأن البلاد ستعود لسيطرته من جديد، وأن المعارضة بدأت تنهار وتتفكك بشكل تلقائي، والامارات كانت ترى أن الدعم الروسي والايراني للحكومة السورية سيمنع سقوطها تحت أي ظرف، لذلك خرجت من حلف الخاسرين، وزحفت نحو حلف الرابحين.
النقطة الثانية، كانت الامارات تدعم الجماعات المسلحة في جنوب سوريا في محاولة منها لموازنة التدخل التركي في سوريا، ولكونها وجدت سوريا وحلفاءها أصبحوا أقوى من اي وقت مضى، رأت أنه من الافضل الانسحاب ودعم الحكومة السورية في الظل بداية لمواجهة الخطر التركي على سوريا، فهي لا تريد لتركيا أن يزداد نفوذها تحت اي ظرف، وهذا أحد أهم اسباب تقربها من الحكومة السورية.
النقطة الثالثة، لا شك بأن الامارات تسعى للاستثمار في سوريا وتفعيل هذا المجال في شتّى القطاعات في سوريا، مثل العقارات والنقل والتجارة، وهي قطاعاتٌ كانت كلّها تستفيد من الاستثمار الإماراتي ما قبل العام 2011. بيد أن العودة المحتملة للاستثمار الإماراتي إلى سوريا محفوفٌ بالتعقيدات والعوائق على المديَين القصير والمتوسّط، ولا سيما في ضوء العقوبات الأمريكية، والصعوبات الاقتصادية التي تعانيها دبي.
النقطة الرابعة، الامارات وبعد أن قامت بتطبيع العلاقات مع اسرائيل، تحاول أن تكسب ود الدول العربية وشراء صمتها مقابل اغراءات معينة، وخاصة أنها أدركت اليوم ان ما قامت به لم يكن في مصلحتها، بل كان في الحقيقة خدمة مجانية لاسرائيل دون اي مقابل، واليوم حليف الامارات الرئيس دونالد ترامب يقترب من خسارة معركته الانتخابية في الوصول إلى البيت الابيض أمام منافسه جو بايدن، وبالتالي الامارات بحاجة إلى اعادة تموضع جديدة في المنطقة خوفا من اي ردة فعل قد يقوم بها بادين عند استلامه زمام السلطة.
الامارات أدركت أن استمرار مقاطعة الحكومة السورية غير مجدية، لطالما ان الجيش السوري اعاد سيطرته على البلاد، لذلك ما الفائدة من مقاطعة سوريا والوقوف في وجهها، وهي الأقوى اليوم على الارض، ومن هنا ليس هناك أمام الامارات سوى ترميم العلاقات مع الحكومة السورية والحفاظ على العلاقة معها، في ظل خوض الامارات العديد من المعارك خارج الديار في اليمن وليبيا، كذلك يدخل التقارب المعلن بين الإمارات ومصر مع الحكومة السورية في سياق العداء مع تركيا التي تحتل أجزاء من اراض سورية، في ظلّ غياب أي دور عربي حقيقي وجاد داعم لسوريا وشعبها.
في الختام؛ منذ بداية ما يسمى “الثورات العربية” في أواخر العام 2010، اضطّلعت الإمارات بدورٍ فاعلٍ ومتنامٍ في المنطقة سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، مُعزّزَةً في الوقت نفسه مكانتها بوصفها مركزاً مالياً إقليمياً، ومركز استقطاب عالمي في قطاع الأعمال. وعقب بداية الحرب في اليمن، في آذار 2015، والتدخّل الروسي في سوريا، في أواخر أيلول من العام نفسه، اتّبعت الإمارات تدريجياً مقاربةً جديدةً حيال سوريا، إلى أن تخلّت في نهاية المطاف عن معارضتها الرسمية السابقة لدمشق. هذا ولم تعُد سوريا في صدارة أولوياتها السياسية، ناهيك عن أنها بدأت تعيد النظر في سياستها الخارجية العدائية نظراً إلى عدم نجاحها، وتكاليفها الباهظة (بمليارات الدولارات)، وعدم الاستقرار التي تسببّت به لاقتصاد البلاد.
لهذا السبب، حاول الحكّام الإماراتيون بناء علاقات رسمية جديدة بدمشق، سعياً إلى الاضطّلاع بدور سياسي في مستقبل سوريا بمختلف الوسائل، ومن ضمنها الاستثمار الاقتصادي في خطط إعادة الإعمار. بيد أن هذه الاحتمالات تعثّرت إذ شدّدت أمريكا عقوباتها على سوريا، وضغطت على الإمارات وملكيّات الخليج الأخرى لوقف تقاربها مع دمشق، في ظلّ عدم استعداد هذه الدول لتعريض علاقاتها بواشنطن للخطر.