الوقت – في الوقت الذي وصلت فيه الحرب بين المقاومة الشعبية اليمنية والقوات الغازية ومرتزقتها الأجانب والمحليين وخاصةً في محافظة “مأرب” الاستراتيجية إلى مرحلة حساسة، وفي الوقت نفسه تمكنت إيران من إرسال سفيرها إلى صنعاء وسط حصار اليمن الکامل، يُظهر اغتيال بعض من كبار المسؤولين في حكومة الإنقاذ الوطني المساعي اليائسة لجبهة عدن، لتخفيف عبء هزائمهم وتعطيل مسيرة انتصارات أنصار الله.
بعد يوم واحد من اغتيال “حسن زيد” القيادي المؤثر في أنصار الله والأمين العام لحزب “الحق” اليمني، تسرَّب خبر آخر غير مؤكد عن اغتيال “محمد يحيى المداني” وهو قيادي آخر في حرکة أنصار الله ورئيس الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في صنعاء.
هذه الإغتيالات التي خطط لها السعوديون والإماراتيون قبل وبعد اندلاع الحرب، نفذت لأغراض مختلفة حتی الآن، منها خلق الانقسامات في اليمن، وإضعاف الخصوم، وتغيير المعادلات السياسية والعسكرية، وسياسة بثّ الرعب والخوف بين السياسيين اليمنيين.
تاريخ طويل من اغتيال القادة في اليمن
كان اغتيال القادة والشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، جزءًا لا يتجزأ من التطورات السياسية في اليمن على مدار القرن الماضي، حيث اتسم مشروع الانتقال السياسي في هذا البلد برحيل القادة. وهو إرثٌ حافظ علی بصماته في التطورات اليمنية ولم يُنس بعد.
بعد وصول موجة الربيع العربي إلی اليمن عام 2011، كانت إحدى القضايا التي أراد اليمنيون أن يستجيب لها نظام صالح، هي اغتيال “إبراهيم الحمدي” رئيس اليمن الشمالي عام 1977.
الحمدي، الذي کان يُعتبر إصلاحياً وحداثياً في الرأي العام، نفَّذ انقلابًا غير دموي في يونيو 1974، عندما انقسم اليمن إلى اليمن الشمالي، المدعوم من السعودية والولايات المتحدة، واليمن الجنوبي المدعوم من الاتحاد السوفيتي.
وأجرى الحمدي العديد من الإصلاحات لمكافحة الفساد وتحقيق المساواة السياسية، خلال فترة ولايته القصيرة كرئيس للحكومة. كما انتهج سياسات تهدف إلى تقليل اعتماد بلاده على السعودية، وسعى إلى توحيد الشمال والجنوب.
ولكن في أكتوبر 1977، اغتيل الحمدي قبل يومين فقط من زيارة مخطط لها إلى جنوب اليمن للتفاوض على الوحدة. وقد ظلت حقائق موته لغزاً حتى يومنا هذا.
في غضون ذلك، اغتيل خليفته “أحمد الغشمي” في يونيو 1978، قبل أن يجيب عن أي أسئلة حول وفاة سلفه. وفي عام 2016، ادعى عبد الله صالح الذي تولى منصبه في يوليو/تموز 1978، أن اغتيال الحمدي قد دبَّرته السعودية.
كما بثت قناة الجزيرة فيلمًا وثائقيًا عن اغتيال الحمدي عام 2019، يشرح كيف أن جهود الحمدي لتحويل اليمن إلى لاعب مستقل وقوي في منطقة جنوب البحر الأحمر، من خلال بناء اقتصاد قوي والتوحد مع جنوب اليمن، وتهميش دور القبائل في السياسة اليمنية، وخاصةً قبيلة الحاشد والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر(العميل السعودي القوي في اليمن)، كانت تهدد مصالح الرياض.
کما أن مقتل عبد الله صالح هو مثال آخر على محاولة عزل مسؤولين بارزين، للتأثير على مجرى الأحداث التي استمرت منذ بداية الأزمة حتی الآن.
من جهة أخرى، في أغسطس 2013، أفادت وكالة فرانس برس أن رئيس الوزراء اليمني “محمد سالم باسندوة” قد نجا من محاولة اغتيال فاشلة.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2019، اغتيل “مسفر الحارثي” مدير دائرة الرقابة والتفتيش بوزارة الدفاع في حكومة اليمن المستقيلة(عدن)، في سيارة خاصة بمحافظة شبوة.
وفي 4 حزيران/يونيو 2020، أعلن مسؤولون أمنيون في محافظة حضرموت، أنهم أحبطوا محاولة اغتيال استهدف “فرج البحسني” محافظ هذه المنطقة وقائد المنطقة العسكرية الثانية. وتشمل المنطقة العسكرية الثانية التي تتمركز في “مکلا” عاصمة حضرموت، المناطق الساحلية بحضرموت ومحافظة المهرة.
وفي السياق ذاته، قُتل “صالح الصماد” رئيس المجلس السياسي الأعلى اليمني في 19 أبريل 2018، في غارة جوية للمقاتلات السعودية على سيارته في محافظة الحديدة. وکان يعتبر من كبار قادة معارك أنصار الله مع السعودية والنظام الحاكم السابق في اليمن. ولهذا السبب حاول أعداؤه، الذين كانوا يدركون أهميته ومكانته في جبهة المقاومة اليمنية وحركة أنصار الله، اغتياله عدة مرات في مناطق وأماكن مختلفة، وهو ما حدث في نهاية المطاف.
وكان صالح الصماد الرجل الثاني في حرکة أنصار الله، واعتقد السعوديون أنهم بإزاحته يمكن أن يمنعوا المناضلين اليمنيين من الوصول إلى السلطة.
لا شك أنه مع الأخذ بعين الاعتبار تنظيم الاغتيالات تكتيكاً لإضعاف الخصوم والقضاء عليهم من قبل الجماعات اليمنية المختلفة، يمكن أن ندرك أن عدم قدرة جبهة عدن على هزيمة أنصار الله والاستيلاء على صنعاء، قد أدى إلى وضع استهداف شخصيات رئيسية في أنصار الله على جدول الأعمال، لإضعاف مكانة هذه الحرکة في المعادلات اليمنية المستقبلية.
إنذار لعدن: محاولة إيران الاعتراف بحكومة الإنقاذ الوطني
جاء وصول السفير الإيراني الجديد إلى صنعاء الأسبوع الماضي، وسط حصار بحري وبري وجوي شامل لليمن، بمثابة صدمة لقوات جبهة عدن والتحالف السعودي الإماراتي.
حيث بدأ “حسن إيرلو” كسفير للجمهورية الإسلامية الإيرانية في اليمن مهمته في هذا البلد مؤخرًا، لإظهار أن إيران قد وضعت المسمار الأخير في نعش خطة احتلال صنعاء وطرد أنصار الله من السلطة. ومن خلال القيام بذلك، تأمل إيران في إقناع الدول الأخرى بإعادة فتح سفاراتها في صنعاء.
وقد أصبحت هذه القضيةً أكثر جديةً عندما قال “عبد الملك الجري” عضو المجلس السياسي لأنصار الله، في وقت سابق من هذا العام، إن الحرکة لها علاقات مع دول عربية وإسلامية مجاورة، بما في ذلك العراق وإيران وعمان.
ويأتي الوصول السلس للسفير الإيراني إلى صنعاء، تأكيداً علی ادعاء هذا المسؤول في أنصار الله بإعادة فتح القنوات الدبلوماسية، للاعتراف بصنعاء.
قد تكون هذه القضية بمثابة جرس إنذار لموقع وشرعية حكومة منصور هادي على المستوى الدولي، والعمل العسكري للتحالف السعودي في نهاية المطاف.