د. عدنان منصور*-البناء
بمعزل عن كون العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على شخصيات لبنانية، وكان آخرها العقوبات على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، تشكلتدخلاًسافراً في الشؤون الداخلية اللبنانية، تحت غطاء قانون ماغنيتسكي Magnitski الصادر عام 2012، الذي يخوّل الحكومة الأميركية فرض عقوبات على المنغمسين في الفساد ومنتهكي حقوق الإنسان في كلّ أنحاء العالم، من خلال تجميد أصولهم وحظرهم من دخول الولايات المتحدة، وما يمكن أن تشمله العقوبات أيضاً من أمور أخرى، إلا أنّ العقوبات بحق جبران باسيل، تأتي في ظلّ ظروف حساسة وأزمة سياسية ومالية ومعيشية خانقة يعيشها لبنان. فضلاً عن بدء العدّ العكسي للسنتين الأخيرتين المتبقيتين من ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
عقوبات واشنطن ضدّ رئيس التيار جبران باسيل،
جاءت لتوجه رسالة قوية واضحة الى الداخل اللبناني، بكلّ أطيافه السياسية، تختلف عن سابقاتها،
وتعبّر بشكل صريح لا لبس فيه، عن قرار أميركي متعمّد مسبق، يتضمّن وضع فيتو على وصول باسيل إلى رئاسة الجمهورية. إذ انه بهذه العقوبات، تريد واشنطن أن تسقط اسم جبران باسيل من لائحة المرشحين للرئاسة، ومعاقبته على عدم فكّ الارتباط بين التيار الوطني الحر وجبهة المقاومة، كي يكون الجميع في لبنان على بيّنة من الأمر، ومن القرار الحازم والحاسم لواشنطن في هذا الشأن، وأن يكون قرار العقوبات بعد ذلك عبرة للمرشحين للرئاسة الذين يبتعدون عن الفلك الأميركي.
لا شكّ أنّ العقوبات التي طالت باسيل، تشكل ضربة قاصمة له، وستؤثر على دوره ومستقبله السياسي، وتطلعاته لرئاسة الجمهورية التي يجد فيها أنّه الأحق من غيره في الوصول إليها، حيث ستصبّ هذه العقوبات في صالح خصومه وأعدائه الكثر، لتعطيهم دفعاً قوياً وهم يتحضّرون لانتخابات الرئاسة المقبلة، وتريح بالتالي «أعداء» التيار الوطني الحر
ليسقط في ما بعد، اسم جبران باسيل نهائياً من لائحة أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية، التي لا شكّ، تثير اهتمامه لها منذ سنوات، ويسعى جاهداً إليها، وهو يطرح نفسه بكلّ قوة، ـ وإنْ أبدى أحيانا التعفف والزهد بها ـ لأنه يرى نفسه أنه الأوْلى بالرئاسة، نظراً لما يمثله من ثقل سياسي ونيابي وحكومي داخل طائفته بشكل خاص ورصيد واسع داخل الأوساط المسيحية بشكل عام، ما يخوّله أن يكون واحداً من ابرز المرشحين لرئاسة الجمهورية وفي طليعتهم.
إنّ الولايات المتحدة بفرض عقوباتها بحقّ جبران باسيل، تكون السبّاقة عملياً في فتح ملف انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، من خلال قرارها الواضح والصريح، القاضي بإبعاد جبران باسيل بشكل ضمني عن دائرة خوض المعركة الرئاسية، ووضع خط أحمر أمامه.
يبدو أنّ العقوبات الأميركية لن تقتصر في الفترة المقبلة على اسم باسيل، وإنما سيتبعها قرارات أخرى، قد تطال كلّ من يقف عقبة في وجه السياسة الأميركية وأهدافها في لبنان.
رغم أنّ واشنطن تعلم قبل غيرها، أنّ العديد من حلفائها غارقون في بحر من الفساد، ومع ذلك فإنّ عقوباتها لا تطالهم طالما أنّ سياساتهم تصبّ في خدمة مصالحها وأهدافها، وهم بالتالي يحظون منها بالحماية، والدعم، والرعاية.
ماغنيتسكي، سيف أرادت واشنطن تسليطه على مسؤولين في دول في العالم، لم تستطع ترويضها، وجعلها أداة طيعة في يدها، أو على الذين يشكلون لها إزعاجاً وعقبة، تحول دون تنفيذ أهدافها. لذلك كان قانون ماغنيتسكي، قانوناً مستبداً لا يرى إلا بعين واحدة، يعاقب من يريد عقابه وإنْ كان بريئاً، ويغضّ الطرف عن كلّ فاسد ومنتهك لحقوق الإنسان، إذا كان هذا الفاسد المنتهك، صديقاً أو حليفاً للولايات المتحدة، ويعمل في خدمة مصالحها الحيوية وأهدافها الاستراتيجية.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل واشنطن ستعمد خلال السنتين المقبلتين إلى إضافة أسماء جديدة لشخصيات لديها مؤهّلات للرئاسة ومرشحة لها، ولا ترضى عنها، أو لا تلقى ارتياحاً لديها، كي تبعدها عن الترشيح نهائياً، بسياسة عقوبات ناعمة، يتولاها قانون ماغنيتسكي، قبل ان يصل المرشحون الى نهائيات الرئاسة بذرائع مختلفة، كونها فقط أنها لن تكون مستقبلاً أداة طيّعة لها ولسياساتها في لبنان والمنطقة؟!
وماذا لو أنّ لبنان لم يتوصّل الى اتفاق مع « اسرائيل» حول ترسيم الحدود البحرية وحدود المنطقة الاقتصادية الحصرية العائدة له، ولم يقبل بأيّ ترسيم قد تتبناه وتدعمه واشنطن يأتي على حساب حقوقه؟! هل ستقتصّ بعدها أميركا من خلال ماغنيتسكي من شخصيات وطنية تحمّلها مسؤولية فشل الترسيم، لتفرض عليها عقوبات ظالمة مستبدّة تحت ذرائع واهية تتعلق بالفساد وحقوق الانسان؟!
قانون ماغنيتسكي التعسّفي، والاستنسابي، والمنحاز، جاهز في كلّ وقت، كي تستخدمه الإدارة الأميركية في أيّ مكان، وضدّ أيّ شخصية وطنية، وتحت أيّ ظرف كان، وحين تدعو الحاجة له!
واشنطن تعرف جيداً بؤر وأماكن الفساد والمفسدين، ومنتهكي حقوق الإنسان، والجرائم ضدّ الإنسانية التي يرتكبونها في فلسطين وفي دول أخرى في العالم، التي تحظى بدعمها وتأييدها، وحمايتها لها، وغضّ الطرف عنها، وإبعادها عن قوس العدالة، وبالذات، عن محكمة الجنايات الدولية!
انّ تماسك الجبهة الداخلية اللبنانية ـ المتصدعة للأسف ـ وعدم رهانها واعتمادها على الخارج، والانصياع له، كفيل بالحدّ من التأثيرات السلبية لقانون ماغنيتسكي، لا سيما في ما يحويه من سياسة الإذلال والاستبداد والتعسّف، التي تمارسها وتتبعها واشنطن بحق زعماء وشعوب رافضة لتسلطها وهيمنتها، أكان ذلك بحقّ لبنان وشعبه، أم بحق دول حرة أخرى وشعوبها في العالم!
على بعض الداخل اللبناني، ان لا يرحب بعقوبات ماغنيستكي التي تفرض على شخصيات سياسية لبنانية، وأن لا يشمت بها، او يبدي تأييده ودعمه لها نكاية بالخصم، إذ أنّ هذه العقوبات الأميركية المفروضة تشكل إهانة لكلّ اللبنانيين واستخفافاً بهم دون استثناء، وتتعدّى على سيادتهم وكرامتهم، وتنال من وحدتهم، أياً كانت انتماءاتهم السياسية والعقائدية.
الترفع عن الصغائر مطلوب اليوم من كلّ السياسيين والقادة اللبنانيين ليقفوا ولو لمرة واحدة وقفة وطنية شجاعة تليق بهم وبوطنهم، وهم يواجهون قرارات ظالمة، وسياسات حائرة بحقّ بلدهم وأبنائه.