كتبت “الراي” الكويتية: رغم أنها كانت مُتَوَقَّعة في بعض الدوائر الضيّقة مع رهانٍ على إمكان “الإفلات” منها في ظلّ الطابع النزاعي الذي تنحو إليه نتائج الانتخابات الأميركية، إلا أن وقْع رمي «شِباك قانون ماغنيتسكي» وعقوباته على رئيس ««التيار الوطني الحر» جبران باسيل، الرجل الأقوى في الدائرة الأقرب إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، جاء صادِماً وفاتِحاً البابَ أمام سيلٍ من الأسئلة حول ارتداداتِه على أكثر من مستوى ولا سيما تأليف الحكومة الجديدة الذي كان أصلاً يدور في حلقةٍ من العقباتِ التي يحاول الرئيس المكلف سعد الحريري «تدويرَها» بما يوائم بين مقتضيات النصاب المحلي الذي لا مفرّ منه لإمرار تشكيلةٍ تَحْضر فيها «ملائكة القوى السياسية» وبين مستلزمات توفير غطاء خارجي لها على قاعدة شروطٍ مُعلَنة «بالصوت العالي».
وشكّلتْ «معاقبةُ» باسيل، بوصْفه أوّل مسؤول لبناني يستهدفه «ماغنيتسكي»، ما يشبه «الزلزالَ» الصامت في بيروت التي وجدتْ نفسَها مضطرّةً للتعامل مع معطى لن يكون ممكناً القفزُ فوقَه ويتمثّل في أن مرحلة «البطة العرجاء» لإدارة الرئيس «الذي لا يُتوقَّع» دونالد ترامب ستنطبع بضغطٍ متدحرج على «زناد» لعقوبات لإغراق جو بايدن بمسارٍ يصعب التفلّت منه في إطار تقويض نفوذ إيران وأذرعها في المنطقة، أو تأكيد أن العودة ولو شبه المستحيلة لترامب ستكون على قاعدة المزيد من «تكشير الأنياب» في سياق المواجهة مع طهران ومحاولة بلوغ تَفاهُم معها بشروطِ الولايات المتحدة.
وإذا كان مسارُ العقوبات على حلفاء ««حزب الله»، دُشِّن في 8 أيلول الماضي مع استهداف الذراع اليمنى لرئيس البرلمان نبيه بري وزير المال السابق علي حسن خليل والوزير السابق للأشغال يوسف فنيانوس من ضمن «قانون مكافحة الإرهاب»، فإن إدراجَ باسيل على لائحة العقوبات وفق «حيثياتٍ» راوحتْ بين «شراء النفوذ داخل الوسط السياسي» وأنه «من خلال أنشطته الفاسدة ساهم بنظام الفساد والمحسوبية السياسية التي شجعت على أنشطة حزب الله المزعزعة للاستقرار» وبين دعْمه للحزب، بدا بمثابة تطوُّر نوعي أصاب أكثر من طرف:
* الأول عهد عون الذي لا يمكن اعتبار الرسالة بـ «بريد العقوبات» إلا صفعةً قوية له في السنتين الأخيرتين من ولايته.
* والثاني رئيس «التيار الحر» الذي اعتبرت أوساط عدة شمولَه بالعقوبات تقويضاً لطموحاته الرئاسية التي تشكل القطبة التي لم تعُد مَخفية في كيفية مقاربته مجمل الاستحقاقات الداخلية وبينها تشكيل الحكومة العتيدة وتوازناتها.
* والثالث ««حزب الله» الذي باتت العقوبات تثقل كاهل حلفائه، وخصوصاً الرافعة المسيحية له، وسط خشية من ارتداداتِ هذا الأمر على «التيار الحر» داخل البيئة المسيحية، رغم اعتبار بعض الدوائر أن «قفْل واشنطن هذا الباب» و«بقّ العقوبات» يريح الحزب من أداءٍ لباسيل بدا في بعض المَفاصل وكأنه على طريقة «ضربة على الحافر ضربة على المسمار» في سياق محاولة تَلافي «لسعة» العقوباتِ الكفيلة بتسميم الآمال الرئاسية، وتالياً فإن الحزب سـ «يتلقّف» أكثر باسيل ما بعد العقوبات ويسعى لـ «ردّ الديْن» الكبير الذي بات له في ذمّته.
وفي حين تتجه الأنظار اليوم إلى سقف الكلمة التي سيوجّهها باسيل، وسط إعلان الهيئة السياسية في «التيار الحر» رفضها التام للعقوبات الأميركية التي اعتبرتها «إفتراءً واضحاً واستخداماً لقانون أميركي للانتقام من قائد سياسي بسبب رفضه الانصياع لما يخالف مبادئه وخياراته الوطنية» ودعوة التيار مناصريه لعدم التوجّه إلى السفارة الأميركية، بَرَزَ طلبُ عون من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة، إجراء الاتصالات اللازمة للحصول على الادلة والمستندات التي دفعت الخزانة الأميركية لتوجيهِ اتهامات وفرض عقوبات بحق باسيل، مشدداً على «تسليم هذه الإثباتات إلى القضاء اللبناني ليتخذ الإجراءات القانونية اللازمة»، ولافتاً إلى أنه «سيتابع هذه القضية مباشرة وصولاً لإجراء المحاكمات اللازمة بحال توافر أي معطيات حول هذه الاتهامات».
وستشكّل مواقف باسيل اليوم مؤشراً بارزاً إلى ارتدادات العقوبات على الداخل اللبناني وخصوصاً تشكيل الحكومة الذي بات محكوماً بسؤالين لم يكن ممكناً أمس الإجابة عن أي منهما:
* الأوّل هل سيذهب فريق عون إلى مزيد من التشدّد في مسار التأليف والشروط المتصلة بآلية تسمية الوزراء المسيحيين وإعادة توزيع الحقائب (وخصوصاً الطاقة التي يصرّ التيار الحر على التمسك بها)، مستفيداً من «دعْمٍ أكيد» هذه المرة سيرفده ««حزب الله» لـ «باسيل الجريح» بـ «أشواك التحالف مع الحزب» في كل ما يطالب به أو قد يطلبه.
* والثاني هل الرسالة الأميركية، التي تتقاطعُ المعلوماتُ عند أنها أوّل الغيث في لائحة ٍمن أسماء من العيار الثقيل يُنتظر أن تكرّ سبحة إدراجها على لائحة العقوبات، هي بمثابة إنذار أيضاً للحريري حيال أيّ تساهُلٍ ممكن في ما خص الذهاب نحو حكومةٍ بتأثيرٍ كبير لـ ««حزب الله» وحلفائه فيها، وسط توقُّف أوساط مطلعة في سياقٍ غير بعيد عند «إشاراتٍ مشفّرة» شكلها غياب سفيريْ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن لبنان وهو ما وُضع في إطار عدم الرضى عن محاولة إجهاض مهمة الرئيس المكلف لقيام حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين ويكون للقوى السياسية دور «عن بُعد» في اختيارهم بمعزل عن المحاصصات السابقة.
وبرز أمس سيناريوهان بملاقاة المعطى الجديد الذي شكّله فرْضُ العقوبات على باسيل، الأوّل اعتبر أن هذه النقلة غير العادية أميركياً قد تدفع إلى تليين المواقف المتصلة بالملف الحكومي بهدف قطْع الطريق على أي دفعةٍ جديدةٍ يمكن أن تجعل الائتلاف الحاكم يخسر تكليف الحريري من دون وجود «خطة باء» تمنع العزلة القاتِلة لبلدٍ يقف «على نصف رِجل» وتتوالى التحذيرات من الكوابيس التي يقف على أبوابها، من «كورونا» الذي يُرجّح أن يفرض عودة إلى الإقفال التام لأسبوعين، إلى خطر المجاعة الذي حذّرت منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي من أنّه يهدّد لبنان.
وتعاطى مؤيّدو هذا السيناريو مع الاتصال الذي جرى مساء الجمعة بين عون والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على أنه قد يحضّ على الإسراع بالإفراج عن حكومة المَهمة الإصلاحية وفق «ما تبقى» من المبادرة الفرنسية بهدف الاحتماء من «تنّين العقوبات»، في موازاة أجواء نقلت عن قريبين من عون أنه يفصل بين مساريْ العقوبات وتأليف الحكومة.
والسيناريو الثاني أن «الصَعْقة» الأميركية ستعمّق متاعب العاملين على خط التشكيل، مع استحضارِ أن العقوبات على خليل وفنيانوس أطاحت بتكليف السفير مصطفى أديب وأن إدراج باسيل سيعرقل تكليف الحريري، وصولاً إلى اعتبار أوساط سياسية أن الائتلاف الحاكم قد «يزِن» المرحلة من زاوية أن التراجع إلى حكومة بشروط ترامب «الراحل» قد يكون مكلفاً أكثر من تعليق التأليف لما بعد انقشاع الرؤية أميركياً وخصوصاً بحال تسلُّم بايدن، فيكون «الأخذ والردّ» مع الإدارة الجديدة التي وإن كانت ستتعاطى وفق قاعدة «استمرارية الُحكم» إلا أن أي مقايضة معها ستكون ذات نتائج أجدى وخصوصاً أنها ستأتي من ضمن التعاطي المنتظر تَبَلْوره مع الملف الإيراني.
الراي