نداء الوطن
في ذروة الانشغال الاميركي بإصدار النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية والانقسام العمودي الذي تسببت به داخلياً، كان لافتاً صدور قرار بالعقوبات الاميركية طاول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. حيث أعلنت الخزانة الأميركية فرض عقوبات على باسيل، بموجب قانون ماغنيتسكي، وسرعان ما أعلن “حزب الله” تضامنه الكامل مع باسيل الذي قال معلقاً على العقوبات التي طاولته: “لا العقوبات أخافتني ولا الوعود أغرتني”.
وبرر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قرار بلاده بالقول: “فساد باسيل ساعد حزب الله على القيام بأنشطة تزعزع الاستقرار” وأضاف: “ساهم باسيل من خلال أنشطته الفاسدة في النظام السائد والمحسوبية في لبنان”.. ولفت الى ان “أي شخص تصدر بحقه هذه العقوبات لا يعود مؤهلاً لدخول الولايات المتحدة”، وتابع: “على القادة اللبنانيين الاستماع لشعبهم وتنفيذ الإصلاحات ووضع حد للفساد، وتصنف الولايات المتحدة الاميركية، جبران باسيل، وزيراً سابقاً فاسداً أساء استغلال مناصبه الحكومية” معتبرة أن “شعب لبنان يستحق الأفضل”.
وأعلن مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر أن “العقوبات ستستهدف الموارد المالية الخاصة برئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وحساباته المصرفية، وستُظهر كيف تشعر الولايات المتحدة حيال الفساد الذي قام به باسيل خلال السنوات الماضية، بالإضافة الى علاقته بحزب الله التي سمحت للفساد بالازدهار”.
وإذ أكد شينكر في حديثٍ لقناة “أل بي سي آي” أن “الولايات المتحدة ستستمر بالنظر في عقوبات مستقبلية بموجب قانون ماغنيتسكي”، أشار إلى أن “هناك نوعاً من الاستمرارية في السياسات الأميركية في حال حصول تغيير في الادارة أم لا”.
ورداً على سؤال حول ما اذا كانت العقوبات على باسيل ستؤثر على عملية تأليف الحكومة، أجاب شينكر: لا أرى سبباً لذلك فهذه العقوبات مستقلة”.
وفي المقابل، غرد باسيل عبر “تويتر” قائلاً: “لا العقوبات أخافتني ولا الوعود أغرتني… لا أنقلب على أي لبناني ولا أُنقذ نفسي ليَهلك لبنان… اعتدت الظلم وتعلّمت من تاريخنا… كُتب علينا في هذا الشرق أن نحمل صليبنا كل يوم… لنبقى”.
“حزب الله” يدين
وأدان “حزب الله” القرار الأميركي بحق باسيل واعتبره” قراراً سياسياً صرفاً وتدخلاً سافراً وفظاً في الشؤون الداخلية للبنان”. وقال في بيان أصدره مساء أمس: “إن الولايات المتحدة الاميركية راعية الإرهاب والتطرف في العالم هي كذلك الدولة التي ترعى الفساد والفاسدين والدول الديكتاتورية حول العالم وتؤمن حمايتها ودعمها بكافة الوسائل، بالتالي هي آخر من يحقُ له الحديث عن مكافحة الفساد”. واضاف: “ان أميركا تستخدم قوانينها المحلية بما فيها قوانين مكافحة الإرهاب ومكافحة الفساد لبسط هيمنتها ونفوذها على العالم، وهي تستخدمها ضد كل دولة أو حزب أو تيار او شخص حر وشريف لا يخضع لسياساتها ولا ينفذ تعليماتها ولا يوافق على خططها، التي تهدف إلى زرع الفتن والتقسيم وخلق الصراعات الداخلية والإقليمية، وان هذا القرار بالتحديد يهدف الى إخضاع فريقٍ سياسيٍ لبناني كبير للشروط والاملاءات الأميركية على لبنان”. وختم معلناً وقوفه “إلى جانب التيار الوطني الحر ورئيسه” وتضامنه “الوطني والأخلاقي والإنساني معه في مواجهة هذه القرارت الظالمة والافتراءات المرفوضة”.
وفي ما يلي النص الحرفي لقرار عقوبات الخزانة الاميركية بحق باسيل:
“فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية أمس عقوبات على جبران باسيل، رئيس حزب التيار الوطني الحر وعضو البرلمان، بموجب الأمر التنفيذي 13818 لدوره في استشراء الفساد في لبنان. يستهدف الأمر المبني على قانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة في مجال حقوق الإنسان وينفذه، الفسادَ والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
وقال وزير الخارجية ستيفن منوتشين: “لقد ساعد الفساد الممنهج في النظام السياسي اللبناني، والذي يعتبر باسيل أحد الأمثلة عليه، على تآكل أُسُس قيام حكومةٍ فعالة تخدم الشعب اللبناني. وتوضح هذه العقوبات اليوم كذلك أن الولايات المتحدة تدعم الشعب اللبناني في دعواته المستمرة للإصلاح والمساءلة”.
الفساد يعود بالفائدة على النخبة فيما اللبنانيون يعانون
لقد عانى لبنان طويلاً جداً من الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية التي مارسها سماسرة السلطة الذين يعملون على دفع مصالحهم الخاصة على حساب الشعب اللبناني، الذي يفترض أنهم يمثّلونه. منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، انطلقت الاحتجاجات التي شارك فيها طيف واسع من المواطنين اللبنانيين، داعية إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي في لبنان، ولكن الحكومات اللبنانية المتعاقبة فشلت في وقف تفاقم التضخم أو خفض الديون المتصاعدة للبلاد أو تحسين البنية التحتية المتهالكة، أو ضمان وصول الكهرباء والخدمات الأخرى إلى المنازل اللبنانية. ولا تزال الظروف الاجتماعية والاقتصادية للبنانيين العاديين آخذة في التدهور في حين أن القادة السياسيين معزولون عن الأزمة ويفشلون في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
لا يزال لبنان يعاني من أزمة نفايات غير مسبوقة ناجمة عن سوء الإدارة والفساد، وتؤدّي هذه الأزمة باستمرار إلى صبّ النفايات السامة في البحر المتوسط، مما يؤدي إلى تلويث المياه وتعريض صحة المواطنين للخطر في نهاية المطاف. تعاني البلاد أيضاً من أزمة طاقة تترك الناس يعانون من فترات انقطاع الكهرباء تستمرّ لساعات أو حتى لأيام، ويدّعي المسؤولون الحكوميون باستمرار أنهم يعملون على حلّ المشكلة، ولكنهم ينفقون مليارات الدولارات، من دون أن يفضي ذلك إلى حدوث أي تحسّن في أوضاع المواطنين اللبنانيين. وقد أسهم مثل هذا الخلل السياسي بشكل مأسوي في الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت في 4 آب، والذي اعتبره الكثيرون مثالاً آخر على الإهمال والفساد اللذين يلحقان الأذى بالمواطنين اللبنانيين بينما يثري النخبة السياسية.
جبران باسيل في واجهة الفساد
شغل باسيل عدة مناصب رفيعة المستوى في الحكومة اللبنانية، بما في ذلك منصب وزير الاتصالات، ووزير الطاقة والمياه، ووزير الخارجية والمغتربين، وفي كلّ منها التصقت بباسيل مزاعم كبيرة بالفساد. ففي عام 2017، عزز باسيل قاعدته السياسية بتعيين أصدقاء في مناصب وشراء أشكال أخرى من النفوذ داخل الأوساط السياسية اللبنانية. وعندما كان وزيراً للطاقة، في عام 2014، أعطى باسيل الموافقة على عدة مشاريع من شأنها ضخّ أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقرّبين منه من خلال مجموعة من الشركات الواجهة.
وقد تمّ فرض عقوبات على باسيل لكونه مسؤولاً حكومياً حالياً أو سابقاً، أو شخصاً يعمل لصالح هذا المسؤول أو بالنيابة عنه، مسؤولاً أو متواطئاً في الفساد، أو متورطاً بشكل مباشر أو غير مباشر فيه، بما في ذلك اختلاس أصول الدولة، أو مصادرة الأصول الخاصة لتحقيق مكاسب شخصية، أو الفساد المتعلق بالعقود الحكومية أو استخراج الموارد الطبيعية، أو الرشوة.
تداعيات العقوبات
نتيجة للإجراءات، تعتبر جميع ممتلكات الفرد المذكور أعلاه أو أي مصالح له في أي ممتلكات، وأي كيانات يملكها، بشكل مباشر أو غير مباشر، بنسبة 50 بالمائة فما فوق، بشكل فردي، أو مع أشخاص محظورين آخرين، موجودة في الولايات المتحدة أو في حيازة شخص مقيم في الولايات المتحدّة أو تحت تصرفه، محظورةً ويجب التصريح عنها لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية. وتحظر لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عموماً جميع المعاملات التي يقوم بها الأشخاص الأميركيون أو المقيمون في الولايات المتحدة أو العابرون لها، التي تنطوي على أي ممتلكات أو مصالح في ممتلكات الأشخاص المصنَّفين أو المحظورين، ما لم يكن ذلك مصرحاً به بموجب ترخيص عام أو خاص صادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أو مُعفى بطريقة أخرى. وتشمل المحظورات تقديم أي مساهمة أو توفير أموال أو سلع أو خدمات من قبل أي شخص محظور أو له أو في صالحه، أو تلقي أي مساهمة أو أموال أو سلع أو خدمات من أي شخص من هذا القبيل.
قانون ماغنيتسكي العالمي
وبناءً على قانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة في مجال حقوق الإنسان، وقع الرئيس الأمر التنفيذي رقم 13818 في 20 كانون الأول/ديسمبر 2017، حيث وجد الرئيس (الأميركي) أن انتشار انتهاكات حقوق الإنسان والفساد الذي يكون مصدره، كلياً أو جزئياً، خارج الولايات المتحدة، قد بلغ حدّاً من الخطورة يمكن أن يهدّد استقرار النظم السياسية والاقتصادية الدولية. إن انتهاك حقوق الإنسان والفساد يقوّضان القيم التي تشكل أساساً رئيسياً من أسس المجتمعات المستقرة والآمنة والفعالة؛ ولهما آثار مدمرة على الأفراد ويضعفان المؤسسات الديموقراطية، ويسهمان في تقويض سيادة القانون وإدامة النزاعات العنيفة وتسهيل أنشطة الأشخاص الخطرين وتقويض الأسواق الاقتصادية. ولذلك تسعى الولايات المتحدة إلى فرض عواقب ملموسة وهامة على أولئك الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو ينخرطون في الفساد، فضلاً عن حماية النظام المالي للولايات المتحدة من الانتهاكات من قبل هؤلاء الأشخاص أنفسهم”.