كتب منير الربيع في “المدن”: منذ مدة غير قصيرة تلوّح الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات على جبران باسيل، أو على مقربين منه ومن رئيس الجمهورية، وبينهم وزراء سابقون.
نهاية باسيل
وتأجل القرار أكثر من مرّة. لكن السياسية الأميركية كانت واضحة: هدف تلويحها بفرض هذه العقوبات، هو استدراج باسيل وابتزازه ليقدم على تنازلات سياسية. وتنازل صهر الرئيس عن بعضها وعزف عن أخرى.
في المرحلة السابقة والحالية، راهن على جملة تقاطعات لتجنّب العقوبات. وكان رهانه الكبير على رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، إليوت إنغل، الذي تربطه به علاقة قوية جداً. لكن إنغل لم يعد في موقعه، والتنازلات التي أقدم عليها لم تكن كافية.
في ذكرى 13 تشرين العونية الأخيرة، قال إن التهديدات الأميركية بالعقوبات لن تخيفه. كان يراهن على أكثر من موقف داخل الادارة الأميركية، واستند إلى زخم انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود، معتبراً أنها قد تحميه من العقوبات، فيما كان المطلوب منه أبعد من ما فعله بكثير.
إضعاف عون وحزب الله
السياسة التي تنتهجها الإدارة الأميركية تقوم على مبدأ “فكفكة” تحالفات حزب الله، وتخويف بيئة الحزب الشعبية بالحصار والضغط المالي والاقتصادي. وتكمن قوة باسيل بحاجة حزب الله القوية إليه. فهو حليف مسيحي قوي للحزب الشيعي، ولديه امتدادات وارتباطات خارجية تمنح الحزب غطاء ضروريًا.
واتبع باسيل سياسات معادية للعرب لصالح إيران. وخاصم قوى سياسية كثيرة ليرضي حزب الله. لكنه وصل إلى المفترق الأخطر: إما حزب الله مقابل تحسين صورته وعلاقته وتجنب العقوبات، وإما العقوبات التي ستجرده من أي قوة خارجية في علاقاته، ما يؤدي إلى إضعافه داخل لبنان، وتخويف المسيحيين ورجال الأعمال الذين ينفضون من حوله. وهذا يعني القضاء على مستقبله السياسي.
وبعد قرار التضييق الأميركي على حزب الله وضربه، كان لا بد من ضرب أحد أهم حلفائه على الساحة اللبنانية. وتأتي العقوبات على باسيل بناء على ملف مدروس، يخضع لقانون أميركي، وحاز على موافقة سياسية.
وكان حزب الله قد وظّف طاقاته كلها في حليف استراتيجي يؤمن له تغطية كبرى. وانتهاء صلاحية هذا الغطاء، يضعف دور رئيس الجمهورية، ويجعله في وضع صعب وحرج، بعدما جعل عهده وقوداً لتسيير قاطرة جبران باسيل ومستقبله السياسي.
الترسيم ومصير الحكومة
وينعكس القرار الجديد مباشرة على مساعي تشكيل الحكومة. سيظهر عون تصلباً كبيراً، وكذلك باسيل، تماماً مثلما تصرّفت حركة أمل وحزب الله بعد فرض العقوبات على علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.
وثمة سؤال لا بد من طرحه: هل جاءت العقوبات بعد محاولة إجهاض مفاوضات ترسيم الحدود، أو الانقلاب عليها؟ لا يمكن فصل العقوبات عن الشروط اللبنانية التي استحدثت في مفاوضات ترسيم الحدود. خصوصاً أن لبنان حاول الالتفاف على مبادرة هوف حول التفاوض على مساحة 860 كيلومتراً مربعاً.
وكان الرد الأميركي مدوياً. وإسرائيل وأميركا لا يمكن أن توافقا على الانقلاب اللبناني. لذا سيكون البلد في حال صعبة، ولن يسهل عليه التسليم بالشروط الإسرائيلية.
ولن يكون باسيل آخر الشخصيات التي تستهدفها العقوبات الأميركية. هناك شخصيات كثيرة ملفاتها حاضرة، وتنتظر قراراً سياسياً لإعلانها. وهذا يعني المزيد من التوتر، والتشنج على المستويات السياسية والمالية والاقتصادية. وتوالي العقوبات أحد أكبر المؤشرات على أن الأزمة اللبنانية لا يمكن أن تحلّ بمجرد تشكيل حكومة.
المصدر: المدن