قطاع الطاقة (والكهرباء) هو أبرز «مولّدي» الأزمة الاقتصادية والكارثة البيئية في لبنان. فهذا القطاع هو «المزراب» الأكبر للهدر والمسبّب الأول لعجز الموازنة وتعاظم المديونية، إضافة إلى كونه المسبّب الأول لتلوّث الهواء والوفيات المرتبطة به. وقد أدى النمو السكاني وزيادة الطلب على الطاقة من جهة، والفشل في وضع استراتيجية للترشيد والاعتماد على مصادر متجدّدة، إلى نتيجة واحدة: زيادة الطلب والاستخدام والعجز والمديونية…
وتتميّز تقنيات الطاقة المتجدّدة بأنّها تؤمّن أنظمة طاقة مستقرّة ونظيفة ومحلّية بالكامل. وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية – المالية وتفشّي فيروس «كورونا»، يُفترض أن تصبح مصادر الطاقة المتجدّدة جزءاً رئيساً من خطط التعافي في بلد شبه مُفلس.
ومعلوم أنّ الطلب على الطاقة في لبنان يتجاوز، بشكل متزايد، قدرة التوليد الحالية. وفيما يساعد المنتجون من القطاع الخاص (المولّدات الخاصة) في سدّ الفجوة، إلّا أنهم، في الوقت نفسه، يزيدون بشكل خطير من الكلفة ومن نسب تلوث الهواء. علماً أن زيادة الكلفة تشمل خزينة الدولة والمستهلكين ومؤسّسة كهرباء لبنان، من دون أن تنجح في توفير أيّ استقرار في تأمين الطاقة!
كلّ هذا لم يقُد إلى الشروع في تغيير الخطط واعتماد مصادر متجدّدة ونظيفة وأكثر استدامة، على رغم تطوير استراتيجية لتنويع مصادر الطاقة منذ نحو عقد. حُدّدت هذه الاستراتيجية في تحديثَين لورقة إصلاح الكهرباء الرئيسية: التحديث الأول في عام 2010 أدّى إلى إنتاج «خطة العمل الوطنية لكفاءة الطاقة» (NEEAP) في 2011 و«خطة العمل الوطنية للطاقة المتجددة» (NREAP) للفترة الممتدّة بين 2016 و2020. فيما أنتج التحديث الثاني «خطة العمل الوطنية لكفاءة الطاقة» للفترة الممتدة بين 2016 و2020. واعتمدت هذه الخطط على دراسات تؤكّد توفر مصادر الطاقة المتجدّدة وإمكانية نشرها، مع تدابير تتعلق بكفاءة الطاقة، لتلبية 12% من الاستهلاك لأغراض توليد الكهرباء والتدفئة بحلول عام 2020… إلّا أنّ كل ذلك لم يُترجم خطوات جدية في اتّجاه الإنتاج من المصادر المتجدّدة.
في عام 2018، وُضع هدف جديد يرمي إلى تلبية 30% من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية (الطلب على الكهرباء والتدفئة) بحلول عام 2030 من مصادر الطاقة المتجدّدة. وحتى تاريخه، يبلغ إجمالي قدرة الطاقة المتجدّدة المركبة 350 ميغاواط، منها 286 ميغاواط من مصادر الطاقة الكهرومائية (قديمة)، و7 ميغاواط من مطمر نفايات الناعمة، و56,37 ميغاواط من الطاقة الشمسية. ما يعني أن لا تقدم مهماً قد حصل، رغم أن كلّ الدراسات تؤكد أن لبنان يتمتّع بموارد طاقة متجدّدة وافرة يمكن استخدامها، بما فيها الطاقة الشمسية والرياح.
وقد أعدّ «المركز اللبناني للحفاظ على الطاقة» خطة عمل لتوجيه تطوير هذه الموارد. وأُنشئت «المبادرة الوطنية لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة» (NEEREA) بالتعاون مع مصرف لبنان الذي سهّل تقديم قروض بفوائد منخفضة لمشاريع الطاقة المتجددة، وتم تمويل أكثر من 938 مشروعاً منذ آذار 2019 في إطار هذا المخطط. وفي ما يتعلق بالمشاريع الضخمة، وقّع لبنان أول اتفاقية لشراء الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجدّدة في 2018، بقوة إجمالية تبلغ 226 ميغاواط… لكن، رغم ذلك كله، تعثرت هذه الخطط لعوامل عدّة، بينها السياسي والإطار القانوني والمؤسّساتي الذي يحكم المشاريع الكبيرة، ونقص الوعي بخطط الدعم، كما ورد في دراسة «تقييم جاهزية مصادر الطاقة المتجددة» التي أجرتها الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه والمركز اللبناني للطاقة. وقد حدّدت الدراسة التحديات السياسية والتنظيمية والمالية أمام تحقيق الأهداف المحددة لعام 2030. واقترحت منهجية لتقييم مدى جاهزية مصادر الطاقة المتجددة، كما قيّمت التكاليف واحتياجات الاستثمار والتأثيرات على الجوانب الخارجية المتعلّقة بتلوث الهواء والبيئة. وأكدت أن لبنان يتمتّع بإمكانية توفير 30% من مزيج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجدّدة بحلول عام 2030. وهذا يعني مضاعفة حصة الطاقة المتجدّدة المتوقّعة من الخطط والسياسات الحالية، وتحقيق زيادة بمقدار 10 أضعاف عن تلك التي بلغت 3% والمسجّلة في 2014 (سنة الأساس لهذا التحليل). كما يمكن للطاقة المتجدّدة أن توفر حوالى 10% من إجمالي إمدادات الطاقة النهائية في لبنان بحلول عام 2030، من أقل من 1% في عام 2014.
وبسبب انخفاض تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة، يمكن أن يؤدي اعتمادها إلى وفر في قطاع الطاقة بقيمة 249 مليون دولار سنوياً، ناهيك عن خفض التكاليف الخارجية من تلوث الهواء وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وإلى تقليل التكاليف والانبعاثات، يقدم اعتماد الطاقة المتجددة مزايا اجتماعية واقتصادية أوسع، وفوائد أخرى مثل إنشاء وظائف وأسواق جديدة، وضخ تدفقات النقدية، وتحسين أمن الطاقة من خلال تنويع مصادرها. إلا أن النجاح في تحقيق كل ذلك يتطلب تعديلات رئيسية على الاستراتيجيات والسياسات والتنظيم والتكنولوجيا والبنية التحتية وآليات التمويل… مع العلم أن إطار العمل الحالي لا يراعي بالكامل التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية السريعة التي تحدث على المستويين الوطني والإقليمي. ويخلص التقييم إلى أنه ينبغي معالجة العديد من التحديات الرئيسية للتغلب على أزمة الطاقة الحالية، وإيجاد الإطار التشريعي والتنظيمي المستقرّ وتطبيق القوانين، وإنشاء الهيئة الناظمة للكهرباء، لمنح تراخيص لاستخدامات مولدات الطاقة وتحديد الصلاحيات والأدوار بين مختلف المؤسسات والكيانات ذات الصلة، وتبسيط الإجراءات الإدارية وتقوية شبكات النقل ووقف الهدر الفني وتطوير أنظمة التخزين…
فهل تأخذ الحكومة الجديدة بهذه المعطيات والتوصيات لتطوير القدرات والاستفادة من المتوفر من طاقات نظيفة ومستدامة مثل الشمس والهواء؟ أم أن الرهان سيبقى فقط على التنقيب عن النفط والغاز اللذين يحتلان وحدهما العقل السياسي والاقتصادي المتحكّم بالبلد؟
نجاح السخانات الشمسية
من بين تطبيقات الطاقة المتجددة، كانت سخانات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية (SWHs) الأولى التي نجحت في لبنان وقد وصلت إلى مساحات مجمعات سخانات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية المثبتة إلى 669,291 متراً مربعاً بنهاية عام 2018، (حسب جدول المركز اللبناني للطاقة لعام 2019) بينما كان الهدف نشر 1,054,000 متر مربع بنهاية عام 2020.
ويُعزى التنفيذ الناجح لسخانات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية في لبنان إلى حدّ كبير إلى قروض المبادرة الوطنية لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.
أهداف غير محقّقة
أبقت الدراسة على الغموض حول الأسباب الفعلية لعدم نجاح أهداف خطة عمل الطاقة المتجدّدة لإنتاج 1000 ميغاواط من الرياح و601 ميغاواط من الطاقة المائية و2500 ميغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية المركزية و500 ميغاواط من الألواح الشمسية اللامركزية و13 ميغاواط من الغاز الحيوي.