الأخبار
لا يلبث المشهد الأميركي يزداد سوريالية مع تقدّم الوقت، من دون حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية. رئيسان يتجهّزان لإدارة شؤون البلاد: الأوّل لم يعترف بالهزيمة بعد؛ والثاني بدأ الاستعراض بصورة رجلٍ يستعدّ لتولّي عباءة المنصب. ووسط عدم إعلان أيّ من وسائل الإعلام البارزة فوز أحد المرشحَين، بات على الأميركيين التحيّن لمظاهر جديدة لا تساعد سوى في تعميق الانقسام، في ظلّ ما تحمله الأيام المقبلة من قرارات مرتقبة للرئيس المنتهية ولايته، هدفها إعلان الذهاب في اتجاه البدء بولايته الثانية، بغض النظر عن نتائج الانتخابات.
أمس، وقف جو بايدن على أعتاب الرئاسة، بعدما انتزع الصدارة من دونالد ترامب، في كلّ من ولاية بنسلفانيا وجورجيا، واستكمل تقدّمه في ولاية نيفادا، حيث اقترب أكثر من أيّ وقت مضى من تأمين 270 صوتاً انتخابياً مطلوباً للوصول إلى البيت الأبيض. بايدن، الذي فاز في التصويت الشعبي، بفارق أكثر من أربعة ملايين صوت عن ترامب، وحصل بالفعل على 253 صوتاً انتخابياً، تقدّم على منافسه في بنسلفانيا بأكثر من 13 ألف صوت بعد ظهر يوم أمس. وإذا صمد تقدّمه – ومن المتوقع أن يصمد – فهو سيحظى بعشرين صوتاً جديداً في المجمّع الانتخابي، ما سيساعده على تخطّي عتبة الفوز في الانتخابات.
في جورجيا، كانت صدارة بايدن ضيّقة للغاية، لدرجة أن مسؤولي الولاية أعلنوا أن إعادة فرز الأصوات أمر لا مفرّ منه. أمّا في أريزونا، فقد حافظ المرشّح الديمقراطي على تقدّمه، حيث واصل مسؤولو الانتخابات تعداد عشرات الآلاف من بطاقات الاقتراع، في فينكس وضواحيها المترامية الأطراف. وقد تقلّص تقدّمه قليلاً، لكن ليس بالقدر الذي كان يأمله الجمهوريون. وفي نيفادا، ضاعف بايدن تقدّمه، أمس، إلى حوالى 20 ألف صوت.
وبالنظر إلى هذا الواقع، معطوفاً على التراكم المطّرد لبطاقات الاقتراع عبر البريد، التي يراهن عليها نائب الرئيس السابق من أجل إبقائه في القمّة، بدأ هذا الأخير التصرّف، بالفعل، كأنّه بات الرئيس الـ46 للولايات المتحدة الأميركية. تصرّفٌ مترافق مع دفعٍ ديموقراطي رسمي في هذا الاتجاه، تبدّى على لسان رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، التي أعلنت أنه «من الواضح» أنّ جو بايدن يتّجه «للفوز بالبيت الابيض»، مضيفة أن «الرئيس المنتخب بايدن يتمتّع بتفويض قوي ليحكم»، وهي العبارة التي تطلق على الفائز في الانتخابات حتى تولّيه مهامه في كانون الثاني/ يناير.
كلام بيلوسي جاء بعدما بدأ بايدن بما يمكن وصفه بـ«عمليّته الانتقالية»، التي تمثّلت بلقائه، أول من أمس، بمستشاريه الاقتصاديين والصحّيين لإطلاعه على التطوّرات المرتبطة بتفشّي فيروس «كورونا». كذلك، حثّ الجمهور على إبداء «القليل من الصبر»، مع استمرار فرز الأصوات في الولايات التي تشهد تنافساً. وقال: «الديمقراطية في بعض الأحيان فوضوية. يتطلّب الأمر أحياناً القليل من الصبر أيضاً. ولكن هذا الصبر يكافأ الآن لأكثر من 240 عاماً، بنظام حكم كان موضع حسد العالم».
في مقابل ذلك، يبدو أن الرئيس المنتهية ولايته، الذي كافح على مدى الأيام الماضية، لإقناع البلاد بأنه فاز في الانتخابات، قد انتقل إلى المرحلة التالية من استراتيجيّته، عبر التصرّف وكأنّه قد بدأ ولايته الثانية مبكراً، حتى لو فشل، خلال الأشهر الأخيرة من خلال حملته، في وضع أيّ أجندة لأربع سنوات أخرى. فبحسب صحيفة «بوليتيكو»، توصّل دونالد ترامب مع مساعديه إلى خطّة تتيح له الاستفادة الكاملة من منصبه الحالي في البيت الأبيض، ليبدو رئاسياً قدر الإمكان. ووفقاً لثلاثة أشخاص اطّلعوا على هذه الاستراتيجية، قد يقيل ترامب بعض أعضاء مجلس الوزراء وكبار مساعديه، بمن في ذلك مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر وراي، ووزير الدفاع مارك إسبر، في وقت يمكنه فيه التوقيع على عدد كبير من الأوامر التنفيذية التي ترضي قاعدته الانتخابية. حتى إنّه قد يستأنف جدول سفره، في وقت يخطّط فيه فريقه لتقديم المزيد من الدعاوى القانونية، ومضاعفة الشكوك في شأن نزاهة أوراق الاقتراع.
ممّا لا شكّ فيه أنّ المحرّك الأساسي لخطوات ترامب باتجاه الولاية الثانية المبكرة قد يكون شعوره بالإحباط ممّا يعتبره نتائج انتخابات غير عادلة في ولايات مثل أريزونا، هذا فضلاً عن أنه يشعر بالغضب من احتمال الخسارة أمام مرشّح يعتبره «ضعيفاً» مثل جو بايدن. وممّا يزيد من حدّة غضبه، تحرّكات هذا الأخير لإطلاق عمليّته الانتقالية الرئاسية، والإشارة المتكرّرة إلى ثقته بالنصر النهائي في ولايات رئيسة مثل أريزونا ونيفادا، اللتين جعلتاه يقترب من الفوز بالسباق الرئاسي.
ومع تضاؤل عدد بطاقات الاقتراع المعلّقة، يواجه ترامب على نحو متزايد تحدّيات قانونية لإبعاد شبح الهزيمة. واقعٌ دفعه إلى الظهور علناً، أول من أمس، لأول مرة منذ ليلة الانتخابات، والتوسّع في مزاعم تزوير الانتخابات، والتي كان ينشرها على موقع «تويتر». وبعد أيام على الابتعاد عن الظهور أمام الجمهور، والشعور بالحنق من التغطية الإعلامية، ظهر في مؤتمر صحافي أول من أمس، تجنّب فيه الإشارة إلى أيّ خطوات حكومية، إلّا أنه تعهّد بمحاربة نتائج الانتخابات في المحكمة على طول الطريق، وصولاً إلى المحكمة العليا، وهو اقتراح يرى معظم الخبراء القانونيين أنه غير مرجّح ومنفصل عن واقع النظام الانتخابي المرتبط بكلّ ولاية على حدة. «سينتهي الأمر ربما في أعلى محكمة في البلاد، سنرى»، قال ترامب قبل مغادرته المؤتمر الصحافي، من دون الردّ على أسئلة.
في الأشهر الأخيرة، قام ترامب بتقليص دائرة مستشاريه الكبار إلى مساعديه القدامى وأفراد الأسرة وعدد قليل من كبار مسؤولي حملته. هؤلاء المساعدون، إلى جانب رئيس الأركان مارك ميدوز وكبير محامي البيت الأبيض بات سيبولوني، قدّموا المشورة للرئيس بشأن استراتيجيّته وتحرّكاته، في الأيام التي أعقبت الانتخابات. وفي الفترة المقبلة، قد تنطلق أجندة ترامب بإقالة مساعديه الرئيسين الذين أثاروا غضبه منذ فترة طويلة، ولا سيما أولئك داخل مجتمع الاستخبارات والأمن القومي. وقد تحدث عمليات الفصل هذه في غضون الأسابيع المقبلة، حتى لو جاءت نتائج الانتخابات لمصلحة بايدن، أو بقيت غير واضحة. «أول شيء سيكون: مَن بقي، ومن كان مخلصاً، ومن كان مؤهّلاً؟»، قال أحد الجمهوريين المقرّبين من البيت الأبيض لـ«بوليتيكو»، مضيفاً: «سيكون هذا هو المعيار الأول. من كان مخلصاً ومن يتمتّع بالكفاءة».
إلى جانب عمليات الفصل المحتملة، من المتوقع أيضاً أن يقضي ترامب الأسبوع المقبل في توقيع سلسلة من الأوامر التنفيذية على كلّ شيء، من التجارة إلى التصنيع، إلى الصين، كوسيلة لإظهار أنه يبقى مشغولاً. وقد يتعامل أيضاً مع بعض الأوامر التنفيذية بشأن القضايا الثقافية والاجتماعية المفضّلة لديه، وفقاً لاثنين من الجمهوريين المقرّبين من البيت الأبيض. وفي هذا السياق، قد يكون تصريح نائب المتحدث باسم البيت الأبيض، جود دير، دليلاً آخر على نهج ترامب المرتقب، فقد قال في بيان: «مثلما وعد الشعب الأميركي، فإن الرئيس ترامب يناضل بشدة من أجل انتخابات حرّة ونزيهة، بينما يدير البلاد في الوقت ذاته، ويؤدّي واجباته لوضع أميركا أولاً».