الوقت- لم تعد روسيا قادرة على تحمل المزيد من انتهاكات المسلحين بحق قواتها وقوات الجيش السوري، وخاصة ان الأتراك يتغاضون عن هذه الانتهاكات ولا يقفون في وجه المسلحين، وهذا سر غضب الروس الدائم من الأتراك يضاف إلى ذلك ما يحصل في قره باغ والصراع الأذربيجاني_الأرمني ونقل فصائل مسلحة سورية إلى هناك، ومن هذا المنطلق بدأ الروس يعملون على وضع حد لاستفزازات المسلحين، ويحذرون من أي استفزاز جديد لأن الرد سيكون حاسماً.
في الأمس على سبيل المثال أعلن المركز الروسي للمصالحة فى سوريا أن المسحلين يستعدون لتنفيذ هجوم باستخدام طائرة مسيرة لغرض اتهام روسيا والسلطات السورية بشن غارات على المدنيين فى إدلب.
جاء ذلك في بيان خرج عن نائب رئيس المركز الروسي، اللواء البحري ألكسندر جرينكيفيتش الذي أكد إن المركز “تلقى معلومات جديدة حول خطط الجماعات الإرهابية لاتهام القوات الحكومية السورية والقوات الجوية الفضائية الروسية بالقصف المدفعي والجوي على المراكز الأهلية على الأراضي تحت سيطرة التشكيلات المسلحة غير الشرعية في منطقة خفض التصعيد بإدلب”.
وأضاف غرينكيفيتش أن المسلحين يخططون لاستهداف مواقع للبنية التحتية المدنية في قرية نحلة بواسطة طائرة مسيرة، ثم نشر فيديوهات للهجوم على الإنترنت واتهام القوات الحكومية السورية والقوات الجوية الفضائية الروسية. ودعا مركز المصالحة الروسي قادة المسلحين للتخلي عن الاستفزازات والموافقة على التسوية السلمية في المناطق التي يسيطرون عليها.
رغم كل المحاولات الروسية بدفع المسلحي والأتراك نحو التسوية السلمية إلا أن الأمر لم يتحقق حتى اليوم، وعلى العكس من ذلك ساهمت تركيا في تشكيل ما يسمى “الجيش الوطني السوري” الذي ارتكب جرائم كثيرة من إعدامات ميدانية، إلى قصف البنية التحتية، وقصف المدارس والمشافي، وخطف واعتقال المدنيين، والاستيلاء على العقارات والأملاك والأراضي والمحاصيل والثروة الحيوانية وتفريغ صوامع الحبوب وقطع المياه، إلى جانب ابتزاز السكان في قوت عيشهم وأمنهم والخطف بغرض الفدية.
الجانب الروسي لم يعد يتحمل الوضع الراهن، حيث خرج من الحياد وبدأ بتحريك الأوضاع في ادلب وجرها نحو الحسم، إما العسكري أو السياسي وهنا على الاتراك التدخل للاختيار، لأن صبر الروس على ما يبدو نفذ من عدم قدرة الأتراك على ضبط المسلحين، فالجانب التركي لا يزال يماطل في ما يخصّ فتح طريق حلب ـــ اللاذقية الدولي “M4”. ويدّعي العسكريون الأتراك أن الفصائل المسلّحة لا تتعاون معهم لتطبيق الاتفاق التركي ـــ الروسي، بينما تستمرّ الاجتماعات بين موسكو وأنقرة في شأن “M4″، من دون نتائج جدّية إلى الآن. أيضاً، لا يوحي المشهد على طول خطوط التماس مع المسلحين في أرياف إدلب وحماة واللاذقية وحلب بوجود نية لدى هؤلاء في الانسحاب من أيّ من مواقعهم، بل تشهد خطوط الاشتباك أعمال تحصين وتمكين دائمة، توحي بإرادة بقائهم لفترة طويلة مقبلة.
من هنا وجد الروس أنه لا بد من القيام بخطوات عملية على الارض لإجبار الاتراك على التسوية، فقبل أيام شن الطيران الروسي هجوماً على معسكر تابع لفصيل “فيلق الشام” المقرّب من أنقرة في كفرتخاريم. وبحسب المصادر العسكرية في المنطقة، فإن “المعسكر الذي تمّ قصفه عبارة عن كتيبة دفاع جوي تابعة للجيش السوري، كان قد تمّ احتلالها من قِبَل المسلحين في 26/10/2015، وفي التاريخ نفسه من كلّ عام، يحتفل المسلّحون بتخريج دورة من المقاتلين من هذا المعسكر”، وتشير المصادر إلى أن هذا يعني أن “الروسي كان يترقّب هذا الموعد، وقد نفّذ العملية عن سبق إصرار وترصّد”. ويدور حديث بين القادة العسكريين في الجيش السوري عن أن المسلحين المستهدفين (200 مسلّح) “كان سيتمّ نقلهم بعد تخرّجهم إلى ناغورنو قره باغ للمشاركة في القتال هناك، إلى جانب الجيش الأذربيجاني”، ما ينبئ بأن “ضرب هؤلاء المسلحين هو رسالة روسية شديدة اللهجة والوضوح إلى الجانب التركي، تتعلّق بناغورنو قره باغ أكثر منها بالميدان السوري”، كما تقول المصادر العسكرية، التي تضيف أن الدورة التي كان يتمّ تخريجها “قد سقطت بأكملها بين قتيل وجريح، إضافة إلى عدد من قادة فيلق الشام الذين كانوا يحضرون حفل التخريج”.
وعلى الرغم من أن الغارة الروسية قد أعادت المبادرة إلى يد موسكو، إلا أنها فتحت الواقع الميداني في المنطقة على عدّة سيناريوات، إذ من المحتمل أن يعمد المسلحون إلى تنفيذ عمليات مكثّفة ضدّ الجيش السوري وحلفائه، و”قد ينكسر وقف إطلاق النار ميدانياً، ومن المحتمل تنفيذ عمليات على كلّ خطوط التماس من ريف حلب إلى أرياف إدلب واللاذقية وحماة”، بحسب المصادر العسكرية، التي تستبعد في المقابل ردّ فعل كبيراً من قِبَل المسلحين عبر عمليات عسكرية واسعة. على أيّ حال، فإن الوضع في الميدان “متطوّر، وتشهد أغلبية الجبهات حالات قصف واستهداف من قِبَل المسلحين”، وفق المصادر نفسها، التي تلفت إلى أن الجيش السوري حالياً هو “في موقع الدفاع، وليس الهجوم”. وتضيف أن “المشهد قد تعقّد أكثر بعد الضربة الأخيرة، ومن المستبعد جداً أن تشارك القوات الروسية في أيّ دوريات مشتركة مع الجانب التركي، بسبب نقمة الفصائل على الروسي واحتمال تعرّضه للاستهداف”، علماً أنه استُهدف، أول من أمس، رتل عسكري روسي على طريق “M4” قرب سراقب.
قبل الضربة الأخيرة، كان الجانب الروسي محرَجاً، وفي موقع ضعف، ويعاني من مماطلة الأتراك في تطبيق “اتفاق موسكو” الذي ينصّ على فتح طريق “M4”. أما بعد الضربة، فقد استعادت موسكو المبادرة، وهي ربّما تكون في صدد تغيير قواعد الاشتباك، واستغلال الميدان السوري لتصفية حساباتها مع أنقرة، بخصوص جبهتَي ليبيا وناغورنو قره باغ. ويوم أمس، أجرى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، محادثة هاتفية مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، ناقشا خلالها الوضع الراهن في المنطقة. وجاء في بيان صدر عن “الكرملين” أن الرئيسين “تناولا في محادثاتهما 3 قضايا أولها سوريا، وقبل كلّ شيء، الوفاء بالاتفاقات القائمة حول تحقيق الاستقرار في إدلب”. وكان إردوغان اعتبر، في كلمة خلال اجتماع الكتلة النيابية لـ”حزب العدالة والتنمية” في أنقرة، أن “استهداف روسيا مركزاً لتأهيل الجيش الوطني السوري في إدلب مؤشر على عدم دعمها للسلام الدائم والاستقرار في المنطقة”. موقف يبدو دون المستوى المتوقّع، ما يشي بأن ردّ الفعل التركي لن يخرج عن حدود الاستنكار والتعبير عن الاستياء، وأن أنقرة ربّما تكون قد ابتلعت الهجوم الروسي، ولا تنوي المضيّ في تغيير قواعد الاشتباك.