الوقت- في حين أن معاهدات وقف إطلاق النار بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا في نزاع ناغورنو كاراباخ لم تدم طويلاً وفشلت تباعاً واحدة تلو الأخرى، دعا رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان رسمياً يوم السبت في إجراء يمكن اعتباره عملية مخيبة للآمال لمحادثات السلام، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المساعدة في بدء المشاورات “الضرورية” بشأن المساعدة الأمنية التي يمكن أن تقدمها موسكو إلى يريفان، وجاءت الرسالة بعد أن فشل الجانبان في الاتفاق على وقف جديد لإطلاق النار خلال محادثات يوم الجمعة في جنيف.
وبينما خلفت نيران الصراع أكثر من ألف قتيل، لكن القوى العالمية فشلت حتى الآن في إقناع أي من الجانبين بوقف الحرب.
ويستند طلب يريفان المساعدة من روسيا على العلاقات الوثيقة بين البلدين والاتفاقية الأمنية المشتركة الموقعة بينهما على عدة مراحل.
وفي عام 2010 ، وقعت أرمينيا وروسيا اتفاقية لتمديد الوجود العسكري الروسي في أرمينيا. حيث تم التوقيع على الاتفاقية خلال فترة رئاسة كل من ديمتري ميدفيديف وسيرج سركيسيان في يريفان، وتنص هذه الاتفاقية على تمديد وجود القاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا من عام 2020 حتى عام 2044، وبموجب هذا الاتفاق، تعهدت موسكو أيضاً بتزويد يريفان بأسلحة حديثة ومعدات خاصة، وفي الحقيقة يعد اتفاق الدفاع هذا بمثابة تحديث لمعاهدة عام 1995 التي تسمح للقوات البرية والجوية الروسية بالوصول إلى قاعدة في غرب أرمينيا، وتضم القاعدة طائرات مقاتلة من طراز MiG-29 وأنظمة دفاع صاروخي S-300 ، فضلاً عن القوات القتالية الروسية، والتي عززت وجودها العسكري في هذه القاعدة عقب تصاعد التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي بشأن أزمتي القرم وسوريا.
لكن منذ بداية توقيع هذه الاتفاقية وحتى الآن، عندما أعيد فتح أزمة ناغورنو كاراباخ، كان السؤال دائماً فيما إذا كان بإمكان أرمينيا التقدم بطلب للحصول على دعم عسكري من موسكو في الصراع مع أذربيجان بموجب هذه الاتفاقية الأمنية.
عند إبرام هذا الاتفاق، تم وضع تفسيرات مختلفة لمحتوى هذه الاتفاقية، على سبيل المثال في ذلك الوقت قال إدوارد شارمازانوف، المتحدث باسم الحزب الحاكم في أرمينيا، إن المعاهدة الجديدة لن تحمي حدود أرمينيا فحسب، بل ستقوم أيضاً باستبعاد احتمال أن تحاول أذربيجان المجاورة حل نزاع ناغورني كاراباخ بالقوة.
لكن لا يؤمن الجميع بذلك، حيث يعتقد المحللون أن المعاهدة التي تم تمديدها تشير فقط إلى الدفاع عن أرمينيا، في حين أن ناغورنو كاراباخ الجبلية تعد جزءاً قانونياً من أذربيجان، لذا فهي غير مشمولة في المعاهدة، ومن ناحية أخرى، فإن أي نزاع هو في الأساس في ناغورنو كاراباخ وليس في أرمينيا.
وفي الواقع، مع هذا الاتفاق فإن روسيا بالنظر إلى قواعدها في المناطق المنفصلة عن جورجيا في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، تهدف إلى تعزيز وجودها العسكري على حدود تركيا العضو في حلف الناتو، وليس لتشكل تحالفاً لمواجهة أذربيجان، التي تتمتع أيضاً بعلاقات جيدة مع موسكو.
وفي غضون ذلك، قال جيرارد ليبارديان مستشار الأمن القومي السابق لأرمينيا، إنه في زمن توقيع الاتفاقية العسكرية: “هذه الوثيقة لا تلزم روسيا بمساعدة أرمينيا وتترك خيار التدخل لتقديرات روسيا”.
تحتوي معاهدة عام 1995 على بند تم الإبقاء عليه أيضاً في المعاهدة الجديدة، وفقاً لهذا البند، لن تساعد روسيا أرمينيا تلقائياً إذا ما حصل نزاع عسكري على الحدود الأرمينية.
يجعل هذا البند التدخل العسكري مشروطاً بشكل مباشر بمفاوضات بين الجانبين واتخاذ موسكو لقرار بشأن المشاركة في الحرب أم لا، ويبدو أن القضية يوم أمس كانت بمثابة المطالبة من بوتين ببدء المفاوضات فوراً وفقاً لبنود هذا البند من الاتفاقية.
وفي هذا الصدد جددت موسكو، التي كانت قد ذكرت سابقاً أن اتفاقها الدفاعي مع أرمينيا لا يمكن أن يمتد ليشمل نزاع ناغورنو كاراباخ، موقفها مؤخراً.
ورداً على إحجام موسكو عن التدخل عسكرياً في أزمة ناغورنو كاراباخ لمصلحة أرمينيا، صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف الشهر الماضي بتاريخ (8 أكتوبر 2020) صراحةً بأن التزامات منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) في منطقة ناغورنو كاراباخ لن يتم تنفيذها.
ورداً على سؤال حول إمكانية إرسال روسيا قوات إلى منطقة ناغورنو كاراباخ، قال بيسكوف: “إذا ما تم الاعتداء على دولة عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ففي هذه الحالة فإن الدول الأعضاء في المعاهدة يتوجب عليها التزام بالدفاع عن هذه الدولة”.
منظمة معاهدة الأمن الجماعي CSTO هي تحالف عسكري تقوده روسيا وتشكلت في عام 2002 من قبل ست دول سوفيتية سابقة: روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.
لكن وزارة الخارجية الروسية أعلنت يوم السبت الماضي أنها ستقدم المساعدة “الضرورية” ليريفان في صراعها مع أذربيجان إذا اندلعت الحرب على الأراضي الأرمينية بناءً على طلب حليفتها.
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن “روسيا ستقدم كل المساعدة اللازمة ليريفان في حالة نشوب صراع مباشر على الأراضي الأرمنية”.
وهو موقف يعكس بشكل أكبر رغبة روسيا في إنهاء الصراع والنزاع من أجل البدء بمفاوضات جديدة، حيث دعت وزارة الخارجية الروسية في بيان يوم أمس مرة أخرى الأطراف إلى وقف إطلاق النار على الفور واستئناف المحادثات “الجوهرية”.
ويبدو أن روسيا لا ترسل سوى عدداً من القوات إلى قاعدة عسكرية أخرى على الأراضي الأرمينية في غيومري (Gyumri)، ثاني أكبر مدينة في أرمينيا بالقرب من الحدود التركية، لتعزيز حماية الحدود أو لمساعدة النازحين.