الوقت- يحاول كيان العدو الاسرائيلي أن يجذب نحوه جميع دول المنطقة، ليضمن ثباته فيها وبقاءه، ومع الآسف منحت بعض الأنظمة العربية الشرعية لكيان العدو ووقعت معه اتفاقيات سلام مجانية، مع العلم أنها لم تحظَ بأي ميزات تذكر، ويحلم الاسرائيلي أن يوقع هذه الاتفاقيات بشكل خاص مع لبنان وسوريا، بحكم الحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة ودعم سوريا للمقاومة وإصرارها على تحرير جميع أراضيها المحتلة، وكذلك الأمر بالنسبة للبنان، وإن كان “حزب الله” هو الأكثر حضوراً في هذا المجال، وتعتبر “اسرائيل” أن الحزب هو العقبة في وجه إجراء اتفاقية سلام لبنان، ولكن الأمر ليس بهذه الصورة التي تقدمها اسرائيل فالشعب اللبناني بأغلبيته يرفض التعامل مع الاسرائيلي ويعتبره عدواً غاصباً.
الجميع يعلم أنه لا يمكن الثقة بالإسرائيلي، وأنه ينقلب على أي اتفاق يمكن أن يوقعه مع أي طرف، وفعل الأمر مراراً وتكراراً مع فلسطين، واليوم يقول إنه يريد أن يعقد اتفاقيات مع لبنان فيما يخص ترسيم الحدود ولكنه في الوقت نفسه يجري مناورات عسكرية على الحدود مع لبنان.
هذه الازدواجية ليست بالغريبة عن الاسرائيلي، فهو يحاول أن يقضم أراضٍ لبنانية بالسلم والحرب، وخلال الأسبوع الماضي، سُمِعَت في قرى حاصبيا والعرقوب أصوات انفجارات من مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، ناجمة عن تدريبات عسكرية يقوم بها جيش العدو الإسرائيلي، امتدت حتى مرتفعات الجولان، في ظل تحليق طائرة استطلاع دون طيار فوق مزارع شبعا المحتلة.
تبين فيما بعد أنه يجري مناورات تحمل اسم “السهم القاتل” التي حاكت مواجهة على جبهاتٍ عدة، وركزت على الجبهة الشمالية مع لبنان، وقد حظيت هذه التدريبات العسكرية باهتمامٍ إعلامي بارز، كونها جاءت في إطار خطة التدريبات السنوية للعام 2020، وشهدت حركة ناشطة للمقاتلات والمروحيات في جميع أنحاء الدولة العبرية، فضلاً عن استنفار قوات الأمن والمركبات العسكرية والقطع البحرية في مختلف المناطق إضافةً إلى مينائي حيفا وأسدود.
شارك في المناورة الضخمة مقرات قيادة وقوات نظامية واحتياط وأسلحة الجو والبحر والبر، إضافةً إلى هيئة الاستخبارات والهيئات التكنولوجية واللوجستية، وهيئة الاتصالات والحماية في مجال الحرب الإلكترونية. وسبق ذلك أن أجرى الجيش الإسرائيلي ندوةً خاصة تمهيداً لتدريبات تُعنى بموضوع الهجوم العسكري بمشاركة كل قادة الفرق والألوية العسكرية النظامية، بُحث فيها مواضيع تتعلق بضرب الأهداف وتبني لغة مشتركة.
هذه المناورات إن دلت على شيء فهي تدل على أن الاسرائيلي يعلم أن التطبيع مع لبنان مستحيل، وأن كل ادعاءاته في هذا الخصوص هي محض كذب، ولذلك سيبقى موضوع “الحرب” قائماً أكثر من موضوع “السلم”، وخاصة أن المناخ العام اللبناني لا يرضى بالتعامل مع “اسرائيل”، فالعدو الاسرائيلي لا يزال يحتل أراض لبنانية، ولا أحد يمكن أن يغفل ماذا فعل الإسرائيلي بلبنان وكيف اعتدى على اللبنانيين وقتل المدنيين في العام 2006 عندما لقنه “حزب الله” درساً لن ينساه.
بالمختصر الاسرائيلي يتبع سياسة “العصا والجزرة” مع لبنان، ويلعب على محور الحرب والسلم، وهو يعلم أنه غير مرحب به من قبل اللبنانيين والأمر لا يختصر على “حزب الله” وحسب، وليعلم الاسرائيلي أنه بالرغم من الاوضاع الاقتصادية الكارثية في لبنان، إلا أنه لن يتجرأ على استهداف لبنان ولو حتى برصاصة واحدة.
بالنسبة لموضوع ترسيم الحدود، بعد انتهاء الجولة الثالثة من المفاوضات حول ترسيم الحدود بين لبنان و”إسرائيل” الاسبوع الماضي، بدأت حـملة أمريكية – اسرائيلية ضد لبنان ومحاولة للضغط الإعلامي والسياسي.
وفي الوقائع، سارعت السفيرة الأمريكية، دورثي شيا، إلى لقاء الرئيس ميشال عون في بعبدا. كما زاره ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش. الهدف الأساسي للزيارة هو البحث في المفاوضات، والبقاء في خانة الإيجابية التي أشار إليها البيان المشترك بين الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة.
وتكشف المعلومات أن لقاء الطرفين بعون كان بهدف الضغط عليه لالتزام الوفد اللبناني بالتفاوض على مساحة 860 كيلومتراً مربعاً فقط، كما هو محدد وفق الوساطة الأمريكية ومبادرة فريدريك هوف، والعتب على محاولة لبنان الدخول في لعبة مزايدة لإطالة أمد المفاوضات، من خلال طرح خرائط جديدة تتحدث عن مساحة أكبر من المساحة المحددة أمريكياً.
وطالب كل من شيا وكوبيتش لبنان، بالعودة إلى أساس المفاوضات، وعدم الدخول في حسابات جديدة، لتجنب المزيد من الضغوط، على قاعدة أن لبنان غير قادر على التلاعب في مسار المفاوضات، هذا التحرك يأتي بعد أن أصر الوفد اللبناني على تقديم خرائط تثبت أن حق لبنان في البحر هو أكثر من ألفي كيلومتر، أي بزيادة مساحة 1430 كيلومتراً على الـ860 هذا الأمر الذي أدى إلى اعتراض “إسرائيل” وأمريكا وممثل الأمم المتحدة في الجلسة.
إذن ملف ترسيم الحدود شائك ومعقد ولن يتم الانتهاء منه بسهولة، وخاصة ان الاسرائيلي يريد قضم المزيد من الاراضي اللبنانية بدعم اممي مستغلا الفوضى السياسية داخل لبنان والدعم الأمريكي المبالغ فيه تجاه الاسرائيلي.
من الناحية العسكرية، صحيح ان لبنان ليس في افضل حالاته ويعاني من مشاكل بالجملة، لكن هذا لا يعني انه لن يكون شوكة في خاصرة اسرائيل اذا ما قررت اجتياز الحدود البرّية، فمن الناحية السياسية عانى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الأمرّين كي يبقى في منصبه، وهو استنفذ كل اوراقه السياسية والدبلوماسية واستغاثاته بالأمريكيين للتطبيع مع دول عربية، في سبيل عدم انتهاء حياته السياسية وعدم مواجهة التهم القضائية بحقّه، والتي قد تحوّله الى ايهود اولمرت آخر. اما من الناحية العسكرية، فلم نعد في عصر الحروب الميدانية وخسارة الجنود الا بالحالات النادرة، فمن الذي سيتحمل وزر مثل هذا القرار في الداخل الاسرائيلي، مع كل ما يعنيه ذلك من فشل الاهداف الموضوعة، حيث ستكون الحصيلة مشابهة لما حصل في العام 2006، فلو نجح الاسرائيليون في تدمير مناطق وقرى لبنانية، الا انهم لن ينجحوا في تغيير الستاتيكو القائم، وبالتالي ستكون تبعات عملهم العسكري كارثيّة على المسؤولين السياسيين عندهم وأمام الخارج الذي لن يرضى بمثل هذه النتيجة، كما أنهم سيحرجون العرب المنضمّين حديثاً إلى قطار التطبيع، وسيعقدون الأمور أمام دول أخرى تنتظر ركوب القطار. هذه النتيجة الكارثيّة ستتضاعف إذا ما اخذنا بالاعتبار الوجود العسكري الروسي في المنطقة والذي سيصبح محرجاً بفعل أي حرب ستنشأ على حدود وجوده، والانتخابات الرئاسية الأمريكية التي لن تؤيد -أياً كانت نتيجتها- اعتماد خيار عسكري بدليل ابتعاد ادارة الرئيس السابق باراك اوباما عن الحروب واستمرار الرئيس الحالي دونالد ترامب في السياسة نفسها ولجوئه إلى الحرب الاقتصاديّة لتحقيق أهدافه، إضافة إلى تفشي وباء كورونا ومصائبه على الجميع، وملف النازحين السوريين الذين سيغزون أوروبا وقد تضاف إليهم أعداد من اللبنانيين ايضاً.
كل ما سبق يشير الى انّ التهديد بالحرب ليس سوى تهويل، فمقوّمات حصوله شبه معدومة، والتدريبات العسكريّة مجرد معنويات تعطى للاسرائيليين جنوداً ومدنيين، لطمأنتهم إلى أن الأمور تحت السيطرة ولا داعي للخوف أو القلق من أي شيء، ولو كانت الأزمة السياسية الداخلية في أوجها، والمشكلة الاقتصادية متفاقمة، وتهديدات كورونا متزايدة، ما يعني أنها باتت أقرب إلى كونها رسالة للداخل الاسرائيلي من كونها رسالة للبنان.