الوقت- بعد 50 عاماً على تأسيس دويلة قطر أعلن أمير البلاد، تميم بن حمد آل ثاني، الثلاثاء المنصرم، أنّ بلاده ستجري أول انتخابات لمجلس الشورى في تشرين الأول العام المقبل، وذلك ضمن افتتاح الدورة العاديّة الـ 49 للمجلس، وقال تميم إنّ الانتخابات ستجرى بموجب الدستور، الذي استفتي عليه في العام 2003 وصدر عام 2004، مدعيّاً أنّ قطر ستقوم بخطوة مهمة في تعزيز “تقاليد الشورى القطريّة” وتطوير عملية التشريع بمشاركة أوسع من المواطنين، في الوقت الذي كررت فيه الدوحة تلك المزاعم مراراً قبل عدة سنوات، لكنها لم تُطبق أيّاً منها حتّى الآن.
وعود جديدة
يقول المثل العربيّ: “من شابه أباه فما ظلم”، لكن من شابه “حمد بن خليفة” الرئيس الأسبق لقطر، فإنّه طغى وتجبر، باعتباره ملك “الوعود الزائفة” بالنسبة للقطريين، حيث إنّه وعد مراراً وتكراراً بإجراء انتخابات برلمانيّة، دون أن ينفذ أياً من وعوده الفارغة، وسيراً على نهج والده أثقب تميم مسامع القطريين، بوعود إجراء انتخابات لمجلس الشورى في البلاد، لكنهم لم يأخذوا تلك الوعود على محمل الجد، بسبب منهج الخداع والمماطلة الذي تتبعه سلطات البلاد في التقدم نحو أدنى خطوات الديمقراطيّة.
وبما أنّ أعذار أمراء قطر أقبح من ذنبهم، فقد أوضح “تميم بن حمد” أنّ نظام الحكم في البلاد لا يسمح بتعددية حزبيّة، لأنّه “نظام إمارة” مستند إلى تقاليد راسخة من “الحكم العادل والرشيد” المرتبط بالمبايعة الشعبيّة، والتي لا ندري كيف حصل عليها هو وأبوه الذي نفّذ انقلاباً على والده، الشيخ خليفة بن حمد، عام 1995، وأمسك بزمام السلطة في قطر.
ومن الجدير بالذكر، أنّ الأمير القطريّ قد أصدر في 30 تشرين الأول العام الفائت، قراراً بإنشاء لجنة عليا للتحضير لانتخابات مجلس الشورى لتحويله من مجلس معين من قبل رئيس النظام الحاكم، إلى مجلس “منتخب”، في الوقت الذي ينص الدستور القطريّ على أنّ مهمة مجلس الشورى باعتباره الهيئة التشريعيّة للدولة، أن يتولى سلطة التشريع ويقرّ الموازنة العامة للدولة كما يمارس الرقابة على السلطة التنفيذيّة، خلال دورة مدتها 4 سنوات، لكن تلك المهام كانت معطلة لأنّ السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة في يد الأمير ولا أحد غيره.
ويتألف مجلس الشورى في دويلة قطر التي يبلغ عدد سكانها نحو 3 ملايين نسمة، من 45 عضواً، يتم انتخاب 30 منهم عن طريق ما يسمى “الاقتراع العام السريّ المباشر” ويعين الأمير الأعضاء الـ 15 الآخرين من الوزراء أو غيرهم، وتنتهي عضوية المعينين في مجلس الشورى باستقالتهم أو إعفائهم، طبقاً للدستور.
وقد تأجلت الانتخابات التشريعية منذ سنتين، بعد انتهاء مدة مجلس الشورى الحالي المُعيّن في يونيو 2019، لكن أمير البلاد أصدر قراراً بمد الفترة سنتين ميلاديتين بدأت اعتباراً من أول يوليو العام 2019 وتنتهي في 30 يونيو العام 2021، وفي عام 2016، أصدر تميم مرسوماً بمد مدة مجلس الشورى ثلاث سنوات، وقبله مدد والده، حمد بن خليفة آل ثاني، ولاية المجلس المعين في عام 2013، لمدة أربع سنوات.
ترحيب دوليّ وقلق خليجيّ
أشاد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأربعاء الماضي، بالإعلان القطريّ وعبر عن تشجيعه لخطوات أمير قطر الذي ورث الحكم عن أبيه، موضحاً أنّ الأمّم المتحدة على دراية بأنّ الاستعدادات جارية، وأن حكومة قطر ستتخذ جميع التدابير اللازمة لإجراء انتخابات شاملة تشاركيّة.
كذلك، رحّبت الحكومة الألمانيّة بإعلان الدوحة إجراء أول انتخابات تشريعيّة في البلاد العام المقبل، وأشارت المتحدثة باسم الخارجيّة الأربعاء المنصرم، إلى أن هذه الخطورة ربما تكون ذات أهميّة من ناحية المشاركة السياسيّة للمواطنين القطريين.
خلاصة القول، يغط الإعلام التابع للنظام القطريّ الإخوانيّ بغيبوبة وسبات عميقين عند الحديث عن الديمقراطيّة في بلادهم، وخاصة قناة الجزيرة الممولة من حكومة البلاد، وبما أنّ النظام في قطر وسائر أنظمة الخليج، هي أنظمة ملكيّة مطلقة ودور “مجلس الشورى” فيها إن وجد يقتصر على دور لا يرقي للاستشارة حتى، فمن المتوقع أن تسلط قطر الضوء على هذا الجانب في حال قيامها فعلياً بتطبيق تلك الخطوة، ما سيثير حفيظة الأنظمة القمعيّة المتوارثة في الدول الخليجيّة، وبالأخص السعوديّة والإمارات، وفي حال طبقت الدوحة القرار الرسميّ بشأن مجلس الشورى، من المؤكد أنّ حدة الغضب الشعبيّ في الدول الخليجيّة الأخرى سترتفع بشدّة، بسبب البنيّة الديكتاتوريّة لأنظمة “ملوك الرمال”، كما يسميها الشارع العربيّ.