د. محمد سيد أحمد-البناء
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي نتحدث فيها عما حدث ولا يزال يحدث على الساحة العربية عامة والساحة السورية خاصة، فلم يعد خافياً على أحد أنّ ما يحدث منذ نهاية العام 2010 ومطلع العام 2011 هو مؤامرة أميركية صهيونية بامتياز، وهي حلقة جديدة من حلقات العداء ضدّ أمتنا العربية من قبل القوى الاستعمارية المتآمرة علينا تاريخياً، وفي إطار مشروع «الشرق الأوسط الجديد» قامت أميركا و«إسرائيل» وحلفاؤهما الغربيون ومعهما الرجعية العربية بتنفيذ مخططهم الذي يسعى إلى تقسيم وتفتيت الوطن العربي، وبالطبع لكلّ مرحلة من مراحل التآمر آلياتها وأدواتها التي تختلف عن المراحل السابقة عليها، وهنا قرّر الأصيل في هذه الحرب الجديدة على أمتنا العربية أن يستخدم مجموعة من الآليات والأدوات الجديدة التي لم يستخدمها في الحروب السابقة.
ويأتي الجنرال إعلام في مقدّمة هذه الآليات الجديدة حيث تمّ استخدمه في نشر الأكاذيب حول ما يحدث داخل مجتمعاتنا العربية من أجل تضليل الرأي العام العربي والعالمي، وقد نجحت هذه الآلية إلى حدّ كبير في ظلّ ثورة الاتصالات والمعلومات التي اجتاحت العالم وأصبحت هذه الوسائل الإعلامية الجديدة المصدر الأول لتشكيل الوعي عبر تلقي المعارف والمعلومات، وبالطبع استطاع الأصيل في هذه الحرب وهو العدو الأميركي – الصهيوني السيطرة الكاملة على الجنرال إعلام.
ثم جاءت الآلية الثانية في هذه الحرب متمثلة في استخدام الورقة المذهبية والعرقية والطائفية لزعزعة الأمن والاستقرار داخل مجتمعاتنا العربية، وتفكيك النسيج الاجتماعي المتماسك كمقدّمة لإشعال النزاعات والصراعات والحروب الأهلية، وهو ما يعني تفجير المجتمعات من الداخل، دون الحاجة إلى التدخل العسكري الخارجي المباشر.
وتأتي الآلية الثالثة متمثلة في أموال النفط الخليجي التي دفعت لتمويل تلك الحروب، فالأصيل في هذه المعركة (الأميركي – الصهيوني) لن يدفع دولاراً واحداً من خزانته في تمويل هذه الحروب، لكنه اعتمد على أن يكون تمويل هذه الحروب من الأموال العربية النفطية، لذلك لا عجب أن يصرّح رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم في أحد لقاءاته الإعلامية قبل سنوات أنّ ما صرف على تمويل الحرب في سورية فقط وصل إلى 137 مليار دولار وما خفي كان أعظم.
وكانت الآلية الرابعة المستخدمة في هذه الحروب هي الجماعات التكفيرية الإرهابية التي تمّ تجنيدها وجلبها من كلّ أصقاع الأرض لخوض الحرب بالوكالة عن الأصيل في طول وعرض الوطن العربي، وبالطبع تمّت صناعتها بعناية شديدة على شكل مجموعات وفرق وفصائل وتنظيمات يحمل كلّ منها اسماً مختلفاً، ففي الوقت الذي كان تنظيم القاعدة هو التنظيم الإرهابي الأول في العالم سرعان ما اختفى لتظهر لنا داعش والنصرة وجيش الإسلام وجند الشام وغيرها العشرات بل والمئات من المسمّيات على كامل الجغرافيا العربية عامة والجغرافيا السورية خاصة.
وبالطبع كانت سورية هي الأكثر استهدافاً، ومع صمود شعبها وانتصارات جيشها على كامل الجغرافيا السورية في مواجهة الجماعات التكفيرية الإرهابية التي أرسلها الأصيل في هذه الحرب الكونية على سورية العربية وهو الأميركي والصهيوني، وصلنا إلى المعركة الأخيرة والتي يناور فيها العدو التركي منذ ما يقرب من عامين وهي معركة إدلب، والتي تراوح فيها الحديث بين حسمها عسكرياً أو عبر طاولة المفاوضات، وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ الرئيس البطل بشار الأسد أكد منذ بداية الحرب الكونية على سورية وفي أكثر من مناسبة وأكثر من خطاب أنّ هذه الحرب التي تخوضها سورية اليوم تتمّ على مستويين الأول هو المستوى الميداني والثاني هو المستوى السياسي، وقد صدق الرئيس الأسد فلم يترك الجيش العربي السوري الميدان طوال سنوات الحرب، وفي ذات الوقت لم تترك سورية طاولة المفاوضات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر حليفها الروسي.
وكثيراً ما كان يتمّ التشكيك في هذا الحليف خاصة في علاقته بالعدو الصهيوني والعدو التركي، وهناك أصوات كثيرة كانت لا تزال تحذر من تخليه عن سورية، لكن الأيام أثبتت عكس ذلك فكلّ عدوان صهيوني على سورية تصدّت له الدفاعات الجوية السورية المدعومة من روسيا وأجهضته بشكل واضح، وكلّ المراوغات التركية لعدم حسم معركة إدلب تصدّت لها روسيا ووقفت في الصف السوري وحذرت تركيا من المماطلة وطالبتها بتنفيذ التزامتها في إدلب والتي تمّ الاتفاق عليها في أستانا وسوتشي، وأكد الحليف الروسي أنّ الوجود التركي احتلال وعدوان على الأراضي السورية ومن حق سورية الردّ عليه، وأكد كذلك أنه لا التركي ولا الأميركي يملك حق الحديث عن أيّ شبر من الأراضي السورية وهما ينتهكان القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بتواجدهما غير الشرعي على الأراضي السورية.
وفي الوقت الذي تنتصر فيه الدبلوماسية العربية السورية عبر المسار السياسي بفضل دعم الحليف الروسي، يستعدّ الجيش السوري لحسم المعركة الميدانية الأخيرة في إدلب مهما بدا من تبريد للملف على المستوى السياسي والدبلوماسي، ومهما تراجع تناوله على المستوى الإعلامي، وما الهجوم الجوي السوري – الروسي هذا الأسبوع على الجماعات التكفيرية الإرهابية في الشمال السوري إلا تكتيكاً لبدء عملية عسكرية لتجفيف منابع الإرهاب، وبذلك لا يكون أمام التركي والأميركي إلا الانسحاب من الشمال السوري فوجودهما بحجة مكافحة الإرهاب، وما دام الإرهاب قد اندحر فلا مبرر لوجودهما، ومن هنا يتضح أنّ الحليف الروسي لن يتخلى عن سورية سواء في معاركها السياسية أو العسكرية اللهم بلغت اللهم فاشهد.