غادة حلاوي-نداء الوطن
لم يعلق لبنان على رفض اسرائيل أن تشمل المفاوضات مع لبنان حقلي الغاز كاريش وتنين. اعلان أفصح عن أجواء مشحونة بالتوتر شهدتها الجلسة الثالثة من مفاوضات الترسيم بين لبنان واسرائيل، والتي تعقد في الناقورة تحت مظلة الامم المتحدة وبرعاية الولايات المتحدة. مسار طويل وشاق يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بأن استخراج النفط والاستثمار في هذا المجال سيكون بين ليلة وضحاها. وقد يصيب من توقع ان يكون لبنان امام مزارع شبعا بحرية.
خلال اجتماعات جنيف السابقة حصل أن تسلّم لبنان خرائط تظهر حقه بمساحات اضافية من حدوده البحرية والبرية، اعتمدتها قيادة الجيش وطرحها الوفد المفاوض على طاولة المفاوضات لتبنيها رسمياً، ما فاجأ الوفد الاسرائيلي الذي سارع إلى الخروج من اتفاق السرية المتفق على أن يحيط جلسات التفاوض، والاعلان عن عدم نيته السير بملف المفاوضات طالما أصر لبنان على خرائطه.
بينما يلتزم الجانب اللبناني التكتم حول مفاوضاته المباشرة مع إسرائيل حول ترسيم حدوده البحرية، كان لافتاً الاعلان الاسرائيلي الأخير “لن تجرى مفاوضات مع لبنان على حقلي الغاز “كاريش” و”تنين””. بدا واضحاً أن لبنان لم يعلق على الكلام الاسرائيلي ولم يعره أي اهتمام وقد تعاطى على أنه محاولة للضغط على لبنان، ولذا يصر الوفد اللبناني على أن تسلك النقاشات مسارها الطبيعي على طاولة التفاوض طبقاً لما سبق وأعد لها، مع عرض كل ما يلزم من خرائط تدعم موقف لبنان وتثبت صحته. في تقييمها للجلسات الثلاث التي انعقدت تعتبر أجواء الوفد اللبناني المفاوض أن المفاوضات لم تخرج عن المسار المرسوم لها من قبل الدولة. منذ انطلقت توقع لبنان أن مفاوضاته مع إسرائيل ستكون شاقة وطويلة ولذا فهو لا يتوقع لها أن تنتهي في غضون فترة زمنية قصيرة. ورغم كل الاجواء التي أثارتها الدولة المعتدية يصر الوفد اللبناني على التكتم حول النقاشات التي شهدتها الجلسة الثالثة من المفاوضات، مكرراً أن موقف لبنان هو ذاك الموقف الذي يتم الاتفاق عليه بين رئيس الجمهورية ميشال عون وقيادة الجيش، معاكساً الاجواء التي حاولت الايحاء ان قيادة الجيش تبنت طرحاً قد يصعّب موقف لبنان ويجعل الخروج بنتائج سريعة غير ممكن.
خلال جلسة التفاوض الاخيرة أكد وفد لبنان تمسك بلده بالانطلاق من الخط الأخضر الواقع جنوب الخط اللبناني الحالي (الذي ينتهي عند النقطة 23 على الشاطئ اللبناني)، والذي يمنح لبنان مساحة بحرية إضافية تتخطى 860 كيلومتراً مربعاً بـ1430 كيلومتراً مربعاً، ليصبح بذلك نصف حقل كاريش النفطي داخل المياه اللبنانية، ما أثار اعتراض الوفد الاسرائيلي ليتم ترحيل النقاش الى جلسة تفاوض تعقد في 11 الجاري. وفيما تكتم الوفد اللبناني عما شهدته جلسة التفاوض سارعت وزارة الطاقة الإسرائيلية الى الاعلان أنّ “إسرائيل لن تجري مفاوضات مع لبنان على حقلي الغاز كاريش وتنين”، وانّ وفدها في الناقورة “غير مخوّل بالبحث بأكثر من موضوع ملكية المساحة المتنازع عليها مع لبنان والبالغة 860 كلم²”. تباين لبناني اسرائيلي أقلق الراعي الاميركي الذي سارعت سفيرته في لبنان دوروثي شيا لزيارة رئيس الجمهورية تستوضحه حقيقة الموقف اللبناني. وفيما تعتبر اميركا ان دورها يقتصر على تقريب وجهات النظر بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي وليس اجتراح حلول عند حصول التباين بينهما، فإن لبنان ومنذ انطلق في مفاوضاته يعول على الدور الاميركي الذي يتولى ادارة الجلسات ونقل الرسائل بين الطرفين. يستعجل لبنان في الاستفادة من ثروته البحرية لكن ليس بالتفريط بأي شبر من اراضيه. وكان لبنان حصل خلال احد الاجتماعات التي عقدت سابقاً في جنيف على خرائط جديدة تظهر حقه في مساحات اضافية من حدوده البحرية، وبناء عليه يتمسك الوفد اللبناني بهذه الخرائط ويعتبرها مكسباً للبنان لا يمكن التفريط به. ما تسبب بتباين مع الوفد الاسرائيلي الذي وبإعلانه يعزز المخاوف من أن يصبح لبنان امام خط ترسيم جديد مختلف عليه، أشبه بالاختلاف القائم حول مزارع شبعا وحدودها، بحيث بات من الصعب لأي طرف في لبنان التراجع عن النقطة التي تبناها الجيش، لنكون امام مزارع شبعا بحرية وعملية شد حبال حيال حق لبنان وخرائطه الحدودية البحرية والبرية.
وفيما يسابق لبنان الزمن في محاولة للوصول بأسرع وقت ممكن الى الانتهاء من ورقة التفاوض والانتقال الى مرحلة الاستثمار، يبدو ان الحسابات لن تطابق الوقائع بحيث بتنا امام اكثر من خط حدودي مختلف عليه بين لبنان واسرائيل، ما ينبئ بملف تفاوض شاق مع فارق حاجة الطرفين الى الاستثمار في الثروة النفطية.