طوني عيسى – الجمهورية
Wednesday, 04-Nov-2020
عندما انطلقت مفاوضات الناقورة، في 14 تشرين الأول، ساد اقتناع بأنّ الجميع مستعجل: لبنان يريد استثمار الغاز لمواجهة الانهيار، إسرائيل تريد استثمار آبارها البحرية شمالاً وتفعيل خطّ الغاز العابر نحو أوروبا، والأميركيون متحمِّسون لإنجاز سياسي واقتصادي. ولكن، ظهرت ملامح توتُّر على الطاولة. فهل تتعطُّل المفاوضات؟ وإذا حصل ذلك، هل مِن مستفيد؟
لم يكن هادئاً مناخ اجتماعَي العمل الأولين، في الناقورة، قبل أسبوع. فالإسرائيليون جاؤوا للمفاوضة ضمن هامش الـ865 كيلومتراً مربعاً، أي المنطقة التي لطالما أعلن لبنان تمسُّكه بها، والتي عمل عليها المفاوضون الأميركيون على مدى سنوات، وأنجزوا خطّ هوف الذي يقترح تقاسم هذه المنطقة بنسبة 65% للبنان و35% لإسرائيل.
لكن الجانب اللبناني حمل معه خريطة أخرى أكثر طموحاً. إذ وسَّع بقعة الحدود التي يطالب بها جنوباً لتصبح مساحتها نحو 2290 كيلومتراً مربعاً. وهذا يعني أنّ بلوكات الغاز الإسرائيلية الموجودة ضمن هذه البقعة، تصبح كلياً أو جزئياً مُلكاً للبنان، وأبرزها حقلا «كاريش» الذي تخسر إسرائيل نصف مساحته، و»تَنين».
ووفقاً لما أعلن وزير الطاقة، في العام 2013، جبران باسيل، يبعد «كاريش» 4 كيلومترات عن حدود لبنان، وتحديداً عن البلوك الرقم 8، و6 كيلومترات عن البلوك الرقم 9. وأما البئر التجريبية التي حفرتها إسرائيل فتبعد فقط 15 كيلومتراً عن حدود لبنان، ما يعني أنّ الإسرائيليين يستطيعون الوصول الى النفط اللبناني.
لكن إسرائيل عمدت إلى خطوة أخرى، أشدّ فاعلية في السيطرة على الغاز اللبناني. فقد أعلنت قبل عام اكتشاف حقل جديد سمّته «كاريش الشمالي». ويقول الخبراء، إنّ هذا الحقل هو عملياً جزء من «كاريش» لأنّه يحاذيه تماماً من الجهة الشمالية، جهة لبنان، ويدخل في الـ865 كيلومتراً التي هي من حقِّه، والتي يملك الوثائق الجغرافية والتاريخية التي تثبت هذا الحق.
ولكن، وفق هؤلاء الخبراء، يهدف «استيلاد» هذا الحقل إلى تسهيل الاستيلاء على مخزونات الغاز اللبناني، لأنّ الآبار متداخلة تحت البحر. فإذا جرى تلزيم هذا الحقل بشكل مستقل، سيكون متاحاً البدء بالتنقيب فيه، وسحب الغاز من داخل الحصّة اللبنانية من دون أي اعتراض.
لقد جاءت الخريطة اللبنانية «الجديدة» مفاجئة لإسرائيل، ونقلت المفاوضات إلى ملعبها، لتصبح هي المعنية بالتنازل عن آبار، تعتبر أن لا جدال في ملكيتها لها. ولذلك، سارعت وزارة الطاقة الإسرائيلية قبل 3 أيام إلى التأكيد: «لن نفاوض على حقلَي «كاريش» و»تَنين».
على الأرجح، سيتشبَّث الإسرائيليون بموقفهم رفض النقاش خارج بقعة الـ865 كيلومتراً. ويعتقد محللون، أنّ لبنان تعمَّد المبالغة في التوغّل بالخرائط، كما تقتضي أصول المفاوضة، أي عملاً بالمبدأ العسكري: «خيرُ وسيلة للدفاع هي الهجوم». لكن آخرين يجزمون، أنّ المساحة الجديدة التي يُطالب بها لبنان تعود إليه قانوناً، وهو يمتلك الوثائق الكافية للدفاع عن حقّه فيها.
وفي الأيام الأخيرة، تدخَّل الوسيط الأميركي والراعي الدولي مع الجانب اللبناني لإقناعه بالعودة إلى «ضوابط» التفاوض ضمن الـ865 كيلومتراً. لكن لبنان لم يُظهِر استعداداً للتراجع.
ومعلوم أنّ المفاوض اللبناني هو الذي أخطأ في العام 2007، في تحديد النقطة 1، خلال اتفاق ترسيم الحدود مع قبرص. وهذه النقطة هي التي أدّت إلى خسارة لبنان مساحة 865 كيلومتراً. أي إنّ إسرائيل لم تكن تمتلك المبررات لمفاوضة لبنان لو لم «يسجِّل بنفسه الهدف داخل مرماه» ويمنحها الذريعة.
إذا تقاربت وجهات النظر بين الجانبين في المفاوضات، فقد يستطيع الأميركيون أن يتولّوا إدارة الترسيم، والأهم هو أنّهم يستطيعون رعاية التقاسم في الحقول المتداخلة تحت الماء، أي ما يُسمّى قانوناً «اتفاقية التجزئة» (unitization agreement).
ولكن، إذا أصرّ الإسرائيليون على رفض التفاوض حول حقلي «كاريش» و»تَنين»، كما أعلنوا، فسيكون على لبنان أن يوازن بين الخسائر والأرباح. فهل يعود إلى خط الـ865 كيلومتراً، وهل يحاول الحدّ من أزماته مع الأميركيين؟
وأما إذا أصرَّ لبنان على الخريطة الجديدة، فقد تردّ إسرائيل بوقف التفاوض. وهذا أمر له مستتبعاته على مستويات مختلفة.
ولكن، في أي حال، هناك سؤال مُهمّ يستدعي الإجابة: بمعزل عن موافقة الجانب اللبناني أو عدم موافقته على التفاوض حول خطّ الحدود البحري مع إسرائيل، ماذا لو رفض «حزب الله» مثلاً أي تنازل، ولو مقدار شبر، عن الخريطة الجديدة وما يُعتَبر حقّاً لبنانياً؟
هل سيجد «الحزب» في هذه الخريطة مبرّرات للاحتفاظ بسلاحه من أجل تحرير الأرض؟ وهل ستكون تلك المبرّرات مطلوبة، خصوصاً إذا دارت مفاوضات ترسيم بين إسرائيل وسوريا، وانتهت باتفاق على تحديد هوية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من الغجر؟