اليوم، الثلاثاء، أخر يوم في التصويت في الانتخابات الأميركية، وقد لا نعرف من الفائز بالرئاسة، وإذا ما عرفنا، فإن فرز الأصوات سيستمر لأيام على كل حال.
السيناريو الذي يخيف الجميع هو نتائج متقاربة جداً، ومن ثم عدم تحديد الفائز، وقيام المحكمة العليا في النهاية بالبت بالموضوع كما حصل في عام 2000 بين آل غور وجورج دبيلو بوش.
إذاً أسواق النفط أمام أربعة احتمالات: فوز الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، عدم الإعلان عن الفائز لأيام، أو خلاف تبت فيه المحكمة العليا.
ولكن المشكلة أعقد من ذلك، لأن نتائج انتخابات مجلس الشيوخ مهمة أيضاً: هل تستمر الغالبية الجمهورية أو يكسب الديمقراطيون الأغلبية؟
الأفضل لقطاع الأعمال، بما في ذلك قطاع النفط، هو أن يكون البيت الأبيض من حزب ومجلس الشيوخ من حزب آخر. لهذا لن يكون فوز بايدن كارثياً إذا استمر الجمهوريون بالسيطرة على مجلس الشيوخ. وسيتحجم ترمب كثيراً إذا فاز الديمقراطيون بالأغلبية في مجلس الشيوخ، إلا أن ذلك سيجعله يصدر عدة أوامر رئاسية وهو ما انتقده ترمب بالرئيس السابق باراك أوباما، الذي لجأ للقرارات الرئاسية لتجاوز مجلس الشيوخ الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون. بشكل عام، كثرة القرارات الرئاسية مضرة لقطاع الأعمال لأن الرئيس القادم، بعد أربع سنوات، يمكنه أن يلغي الأوامر الرئاسية كلها، وهذا ما فعله ترمب بقرارت أوباما. قطاع الأعمال بشكل عام، والمستثمرون بشكل خاص، يفضلون استقرار السياسيات الحكومية، وكثرة القرارات الرئاسية تعني عدم استقرارها.
بالنسبة لقطاع النفط، أفضل سيناريو هو فوز بايدن بالرئاسة، مع استمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ. في هذه الحالة سيعارض مجلس الشيوخ كل خطوات بايدن للتأثير في أسواق النفط، خاصة في ما يتعلق بالقوانين البيئية، وسيعارض بايدن أي قوانين مقترحة من مجلس الشيوخ لا تتناسب مع مواقفه البيئية. إحدى الفترات الذهبية التي مر بها الاقتصاد الأميركي وانتهى فيها العجز بالموازنة الفدرالية كانت في فترة الرئيس بيل كلينتون عندما فاز الجمهوريون بالغالبية في مجلس الشيوخ والكونغرس. حينها تربّطت يد الحكومة لسنوات، وانتعش فيها الاقتصاد.
وقد يقول قائل، ماذا عن العكس، فوز ترمب بالرئاسة وخسارة الجمهوريين للأغلبية في مجلس الشيوخ، ألا يعطي ذلك النتيجة نفسها؟ الجواب لا. ترمب يُعرف بعدائه لصناعة النفط لعقود. ومنذ سنوات طويلة، وما زال يعتقد أن أسعار النفط والبنزين يجب أن تبقى منخفضة، واستخدم كل ما في وسعه لتحقيق ذلك. إبقاء أسعار النفط منخفضة ليس في صالح صناعة النفط الأميركية، وليس في صالح منظمة “أوبك” والدول النفطية. بايدن لن يقوم بذلك. وعلينا أن نتذكر أن أسعار النفط كانت فوق 100 دولار في فترة إدارة أوباما وبايدن، ولم يحاربوها بالشكل الذي حارب فيه ترمب سعر 80 دولاراً.
والأسوأ للقطاع الخاص، بما في ذلك شركات النفط، هو فوز الحزب نفسه بالبيت الأبيض ومجلس الشيوخ، والأسوأ من ذلك كله هو سيطرة الحزب على البيوت الثلاثة: البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، والكونغرس، لأن هذا يمكنه من تمرير قوانين كثيرة وسريعة، الأمر الذي يعني أن تتدخل الحكومة بشكل قوي، وهذا ما لا تريده الشركات. باختصار، وجود حكومة قوية يُضرّ بمصلحة القطاع الخاص.
خلاصة القول إن الوضع الحالي غير مناسب للصناعة، وفوز الديمقراطيين بالبيوت الثلاثة ليس في صالح الصناعة إطلاقاً. الحل الأفضل هو فوز رئيس من حزب، وسيطرة حزب أخر على مجلس الشيوخ. والأمثل هو فوز بايدن بالرئاسة واستمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ.
نتائج الانتخابات
لن يكون لنتائج الانتخابات، إذا حسمت ليلة الأربعاء، أي أثر يغير من أساسيات السوق في المدى القريب إلا أمر واحد وهو فوز ترمب، ثم قيامه بإقرار حزمة إنعاش مالية للاقتصاد، تتضمن إعانات كبيرة لقطاع النفط الأميركي. أما إذا فاز بايدن، فيتوقع أن تكون حزمة التحفيز أكبر بكثير من حزمة ترمب، ولكنها قد لا تحتوي على أي إعانات لقطاع النفط. إعانات ترمب لقطاع النفط الأميركي، خاصة الصخري، تمنع بعض الشركات من الإفلاس، وتساعد شركات أخرى على تحسين وضعها المالي. لهذا يتوقع مراقبون إفلاس بعض هذه الشركات إذا فاز بايدن. ويتوقع البعض انخفاضاً كبيراً في سوق الأسهم إذا فاز بايدن، ومع هذا الانخفاض قد تنحفض أسعار النفط، ولكن هذا الانخفاض غير مرتبط بأساسيات السوق. وهناك من يرى أن انخفاض أسعار أسهم شركات التكنولوجيا بشكل كبير، مع بقاء أساسيات سوق النفط على المديين المتوسط والطويل من دون تغيير، فإن هذا سيؤدي إلى تحول المستثمرين إلى شراء أسهم شركات المواد الأولية والنفط، الأمر الذي يدعم صناعة النفط محلياً وعالمياً.
وبغض النظر عن الفائز، فإن رئيس الولايات المتحدة فقد السيطرة على أسعار النفط. فإذا فاز ترمب فإنه لا يستطيع أن يقوم بما قام به سابقاً لسبب بسيط: أسعار النفط على المديين المتوسط والطويل سترتفع في كل الحالات، رغم كل السياسات لكبح جماحها. فانخفاض الاستثمار في الصناعة مع ارتفاع معدلات انخفاض الإنتاج في أبار الصخري يعني عدم مواءمة المعروض للزيادة في الطلب، الأمر الذي سينتج عنه ارتفاع في أسعار النفط. في البداية ستستخدم بعض دول أوبك+ الطاقة الإنتاجية الفائضة لديها وترفع الإنتاج، ولكنها ستفقد السيطرة بعد ذلك على أسعار النفط. البلد الوحيد الذي سيسيطر على أسعار النفط حينها، وسيوقف ارتفاع الأسعار عند مستويات 80 دولاراً للبرميل هي الصين. ستقوم الحكومة في بكين ببيع النفط من الاحتياطي الاستراتيجي بكميات كبيرة، الأمر الذي سيخفض وارداتها النفطية. هذا النفط اشترته الحكومة بأسعار منخفضة، وتبيعه بأرباح تبلغ ضعف سعر الشراء على الأقل. وإذا انخفضت الأسعار، فإن الصين ستقوم بإعادة شراء النفط مرة أخرى وتخزنه. لهذا فإنه ليس من صالح دول الخليج إمدادها بكل ما تطلبه لملء الاحتياطي الاستراتيجي وقت انخفاض الأسعار.
خلاصة الأمر أن أساسيات السوق لن تتغير كثيراً بعد الانتخابات الأميركية، وأن البيت الأبيض فقد سيطرته على أسعار النفط على المديين المتوسط والطويل.