معروف الداعوق -اللواء
منذ البداية، كان ملف تشكيل الحكومة الجديدة مرتبطاً ببعضه البعض، تسمية وتشكيلاً.
فما ان طرح الرئيس سعد الحريري مبادرته وأعلن بأنه المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة العتيدة استناداً لما يمثله نيابياً وشعبياً، ومبدياً استعداده لتحمل هذه المسؤولية على أساس المبادرة الفرنسية بكل مضامينها لإنقاذ البلد من الانهيار المحدق به، لم يكن وقع هذا الطرح مريحاً لدى أطراف سياسية عدّة وفي مقدمتهم «التيار الوطني الحر» الذي فوجئ رئيسه النائب جبران باسيل به، بعد ان اعتقد لوهلة ما بأنه استطاع قطع الطريق نهائياً امام قيام الرئيس الحريري بتشكيل أي حكومة أخرى، طوال ما تبقى من ولاية الرئيس ميشال عون بعد تفاعل الخلاف السياسي بينهما على خلفية إمعان باسيل في اعتماد نهج التعطيل المتعمد لمسيرة الحكومة السابقة وتأجيج الخلافات العصبية والطائفية مع أطراف آخرين.
وهكذا وجد باسيل نفسه وجهاً لوجه امام ترشيح الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة المدعوم هذه المرة من حلفاء التيار التقليديين وعلى رأسهم «حزب الله» ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي و«الطاشناق» وغيرهم وأصبح وحيداً في المواجهة هذه المرة، وبات امام خيارين، لا ثالث لهما، فإما ان يقبل بالأمر الواقع ويعلن تأييده لهذا الترشيح بعدما تعذر له إيجاد أي مرشّح آخر يقارع الرئيس الحريري، أو ان يستمر بالرفض والمعارضة حتى النهاية وهو الخيار الذي اعتمده ولكنه ارفقه بعدة خطوات من موقعه، بدأها اولا بإقناع عون بارجاء موعد الاستشارات النيابية الملزمة تحت ذرائع وحجج واهية لم تقنع أحداً من السياسيين على اختلافهم، ولما لم تنفع هذه الإجراءات الممجوجة والمغلفة بالصلاحيات الدستورية في قطع الطريق امام تسمية الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة المرتقبة، وبعد فشل اعتماد أي إجراءات تعطيلية مماثلة، نجح خيار تسمية الحريري رئيساً للحكومة الجديدة خلفاً لرغبة رئيس «التيار الوطني الحر» وبعيداً عن التشاور المسبق معه ولما كان يحصل أثناء تشكيل الحكومات السابقة.
ولكن ردود الفعل على تسمية الحريري لرئاسة الحكومة في بعض الأروقة الحزبية والمجالس الضيقة لم تكن مطمئنة، بل كانت تشي بردود فعل سلبية، مباشرة أو بالواسطة، وكلها تؤشر بأن ما سرى على خطوة التسمية، لن ينسحب على عملية تشكيل الحكومة، بل ستتعرّض لمطبات وتعديلات واضافات وشروط ومطالب غير متوقعة من باب صلاحيات الرئاسة الأولى وتوقيع رئيس الجمهورية على مراسيم تأليفها.
ولذلك، لم تكن مستغربة العراقيل والمطالب التعجيزية التي تطرح لتغيير تركيبة الحكومة من جهة أو الاستئثار بحصة وزارية تحت تسميات وحدة المعايير أو تمثيل الحلفاء وما شابه لاعاقة عملية التشكيل التي لم تبددها بيانات النفي الصادرة من هنا أو التعفف التي يبديها البعض علناً ويعمل في الخفاء للحصول على حصة وزارية وازنة وحقائب نوعية تحت مسميات وهمية وتوصيفات مزيفة تخفي وراءها شغفا لاستنساخ زمن حكومات الوحدة والتوافق وتقاسم الحصص بين أعضائها.
ولكن بالرغم من كل محاولات إعاقة وتأخير تشكيل الحكومة الجديدة، وهدر الوقت بلا طائل، لا بدّ في النهاية من وضع حدٍ لهذه المحاولات العقيمة المرفوضة وتعطيل مفاعيلها، اما من خلال ممارسة الضغوط من جميع القوى السياسية المحلية والدول الداعمة التي تؤيد ولادة الحكومة المرتقبة بأقصى سرعة ممكنة، كما حصل في مرحلة تسمية الرئيس المكلف التي مرّت بمطبات مشابهة، أو من خلال كشف وقائع واظهار حقيقة ما يحصل وتسمية الجهات والقوى التي تُعرّقل تشكيل الحكومة امام الرأي العام وليتحمل كل طرف مسؤوليته عمّا يحصل.