المصارف تواجه الأزمة باستراتيجية جديدة: موظفون وفروع أقل تمهيداً لاستحقاق 2021

رنى سعرتي-الجمهورية

 

لا يختلف إثنان على أنّ القطاع المصرفي اللبناني، يُعتبر من القطاعات الأكثر تضرّراً في الأزمة التي تعصف بالبلد. وبعدما كان الانطباع السائد في الماضي، انّ الكثير من القطاعات تعاني، وبعضها يخسر، وانّ المصارف وحدها تزدهر وتربح، انقلب المشهد اليوم، وصارت المصارف تخسر اكثر من قطاعات أخرى، وخسائرها مُرشّحة للارتفاع اكثر في المرحلة المقبلة.

في نهاية العام 2018، كان عدد المصارف العاملة في لبنان يبلغ 65 مصرفاً منها 16 مصرف أعمال، في حين كانت فروع المصارف تبلغ 1101 فرع، وكان هناك 18 مصرفاً لبنانيّاً منتشرة خارج لبنان من خلال 313 وحدة مصرفية متواجدة في 30 بلداً و88 مدينة.

وبلغ مجموع العاملين في القطاع المصرفي في العام 2018 حوالى 26 ألف موظف، 63 في المئة منهم من المتزوجين، يستفيدون من مِنح مدرسية وجامعية قيمتها الاجمالية 75.5 مليار ليرة لبنانية، وفقاً لإحصاءات العام 2019.

اليوم، وبعد تفجّر الأزمة الاقتصادية والمالية، تبدّلت كافة المؤشرات في القطاع المصرفي، الذي ينتظر إعادة هيكلته وتقليص حجمه مع نهاية شباط 2012، عندما يحين موعد تطبيق تعميم مصرف لبنان، الذي يفرض على المصارف زيادة رأسمالها أو الخروج من السوق.

لكنّ المشهد اليوم، وقبل انتهاء المهلة المحدّدة من قِبل مصرف لبنان، مختلف تماماً، حيث عمدت المصارف الى وضع استراتيجيات جديدة لمواكبة تداعيات الأزمة، وخفض الكلفة التشغيلية، بعدما تراجعت مداخيلها وارباحها، وأصبحت أعمالها تقتصر على السحوبات النقدية وبعض التحويلات المالية.

مع بداية الأزمة في تشرين الثاني 2019، وضعت المصارف سياسة لخفض النفقات التشغيلية، عبر إقفال فروع مصرفية أو عبر صرف عاملين وموظفين لديها. كذلك عمدت الى بيع وحداتها واصولها في الخارج. وتسعى المصارف الكبرى، التي تملك العدد الاكبر من الفروع المنتشرة على كافة الاراضي اللبنانية، الى اقفال حوالى 20 في المئة منها، خصوصاً الفروع التي لا تملكها بل تستأجرها، وبالتالي من المتوقع ان يتراجع العدد الإجمالي لفروع المصارف في لبنان من 1100 فرع الى اقلّ من 800 فرع مع بداية العام 2021.

بالاضافة الى ذلك، ومن اجل الالتزام بزيادة رأسمالها بحلول شباط 2012، تسعى المصارف الى تأمين الاموال المطلوبة، من خلال بيع وحدات لها في الخارج وخروجها من اسواق عديدة. وقد قرّرت 8 مصارف لبنانية عاملة في العراق إغلاق عملياتها هناك، في حين يعتزم بنك عودة وبنك لبنان والمهجر بيع أنشطتهما في مصر.

وباستثناء بنك جمّال الذي تمّ اقفاله في الفترة الاخيرة، فإنّ عدد المصارف التجارية العاملة في لبنان ما زال على حاله، الى حين انطلاق عملية اعادة هيكلة القطاع في 2021، التي ستفرض اقفال عدد من المصارف المتعثرة ودمج المصارف المتوسطة والصغيرة.

اما بالنسبة لموظفي القطاع المصرفي، فإنّ سياسة خفض النفقات وضعت خطة تصاعدية لخفض عدد العاملين في القطاع، بطريقة سلسة لا تشكّل صدمة اجتماعية، حيث تمّ البدء بالتوافق مع عدد من الموظفين من الفئات العمرية الاكبر، على تقديم استقالات طوعية، مقابل الحصول على تعويضات مالية، في موازاة تسريح عدد من العاملين لم يتجاوز 1300 عامل منذ العام 2019 ولغاية اليوم، وفق ما اكّده رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج لـ»الجمهورية»، مشدّداً على انّ الارقام المتداولة عن آلاف الموظفين الذين تمّ تسريحهم غير دقيقة.

وأوضح، انّ مصرفاً من المصارف العشرة الاكبر، والذي يملك اكثر من 80 فرعاً، قام بتسريح 400 موظف، في حين عمد مصرف آخر من ضمن المجموعة نفسها الى تسريح 200 موظف، فيما توزّع عدد المصروفين الآخرين بين مختلف المصارف الاخرى.

وتوقّع الحاج ان يحصل تطور لافت على صعيد تسريح الموظفين خلال العام 2021، عندما تصبح المصارف مُلزمة تطبيق تعميم مصرف لبنان الرقم 154 الذي يفرض عليها زيادة رأسمالها بنسبة 20 في المئة، حيث ستضطر المصارف غير القادرة على زيادة رأسمالها الى الخروج من السوق، وبالتالي قد يتمّ دمج تلك المصارف او تصفيتها، مما سيحتّم تسريح عدد من الموظفين.

مؤكّداً انّ اتحاد نقابات موظفي المصارف لن يقف متفرّجاً حينذاك، وسيكون له تحرّك للتفاوض على حصول المصروفين على تعويضات صرف مقبولة.

واشار الى انّ اقفال الفروع حصل من قِبل المصارف العشرة الكبرى، بهدف خفض الكلفة التشغيلية، وقد تمّ نقل معظم موظفي الفروع المقفلة الى فروع اخرى او الى الادارات العامة، نافياً ان يكون أي من المصارف قد عمد الى الاقتطاع من رواتب موظفيه او خفضها الى النصف، «لا بل انّ بعض المصارف، من خلال مبادرة خاصة، وتحسّساً منه بالوضع المعيشي المتدهور للمواطنين جراء تدهور قيمة الليرة اللبنانية، عمد الى تحويل جزء من رواتب الموظفين الى الدولار على سعر صرف الـ1507، من اجل اعادة سحبه وفقاً لسعر صرف المنصة على الـ3900 ليرة». مشدّداً على انّ هاجس الاتحاد اليوم هو الحفاظ على ديمومة عمل اكبر عدد من الموظفين في القطاع، وليس رفع الاجور الذي يتمّ دعمه في القطاع المصرفي بالمِنح المدرسية والجامعية والطبابة وبدل النقل.

وختم مؤكّداً انّ المناخ السياسي هو الذي سيقرّر عنوان المرحلة المقبلة في القطاع المصرفي، حيث انّ تأليف حكومة والشروع بالإصلاحات قد يساعدان المصارف في تأمين رساميل جديدة والنهوض من جديد وحماية موظفيها. ولكن في حال بقي الوضع على ما هو عليه اليوم، فانّ تقليص حجم القطاع لا مفرّ منه، وبالتالي سيكون هناك استغناء عن عدد من العاملين فيه.

Exit mobile version