المحلل السياسي-الديار
تزداد العقد امام تأليف الحكومة العتيدة والتي ينتظرها اللبنانيون على أحرّ من الجمر، لانها الفرصة شبه الاخيرة للانقاذ. ولم يعد يهمّهم لبننة الحكومة او اي سبب آخر، بل يهمّهم تأليف الحكومة حتى لو حصلت المحاصصة البغيضة، لانه يبدو ان المرض السياسي في لبنان اقوى من ارادة اللبنانيين الراغبين بتشكيل الحكومة بسرعة.
لقد تأكد ان هنالك تمايزاً في الرأي بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول عدد وزراء الحكومة، لان الرئيس المكلف اصبحت لديه تشكيلة 18 وزيراً جاهزة ليقدمها لرئيس الجمهورية الذي يُصرّ على حكومة من 20 وزيراً، على قاعدة تأمين التمثيل للطائفة الدرزية من اجل ميثاقية الحكومة عبر اعطاء الطائفة الدرزية وزيرين بدلاً من وزير واحد في تشكيلة الـ 18 وزيراً، فيما يُصرّ الرئيس المكلف على ان تكون الوزارة من 18 وزيراً ومنسجمة، مع اعطاء الطائفة الدرزية وزيراً درزياً واحداً يمثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط كيلا يغضبه، وعدم اعطاء وزارة ثانية للطائفة الدرزية لتمثيل الوزير طلال ارسلان،لان «كتلة الجبل» التي يرأسها ارسلان تمثل نواباً من «التيار الوطني الحر» وليس نواباً يتبعون للوزير ارسلان. يرفض هذا الامر الرئيس ميشال عون ويريد اعطاء حليفه الوزير ارسلان وزارة في الحكومة. وهنا طالب بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي بتمثيل الطائفة الكاثوليكية بوزيرين وليس بوزير واحد. وفوراً لاقاه النائب في «التيار الوطني الحر» ادي معلوف وأيد بطريرك الكاثوليك وطالب بوزيرين للطائفة كي تكون الحكومة من 20 وزيراً وليس 18 وزيراً كما يريد الرئيس المكلف سعد الحريري.
وهكذا دخل تأليف الحكومة الى المحاصصة البغيضة ما بين الكتل النيابية، واهمها بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» الذي اتهم الوزير جبران باسيل بأن زيارته الى قصر بعبدا واجتماعه بالرئيس العماد ميشال عون ادى الى تعطيل تأليف الحكومة، وحمّل تيار المستقبل بتحميل الوزير باسيل مسؤولية التأخير في التأليف.
عدد وزراء الحكومة هو الصورة الشكلية للخلاف الحاصل، ذلك ان تمثيل النائب اسعد حردان او الكتلة القومية بوزير من الطائفة الارثوذكسية يتطلب اعطاء طائفة الارثوذكس 3 مقاعد وزارية، وعندئذ ستتمثل الطائفة الكاثوليكية بوزير واحد اذا كانت الحكومة من 18 وزيراً. وهنا بات «التيار الوطني الحر» يُصرّ على تأليف حكومة من 20 وزيراً وليس 18، لان الوزراء المسيحيين في الحكومة سيتمّ توزيعهم على نفوذ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«التيار الوطني الحر» والوزير سليمان فرنجية، حتى ان الوزير الارمني هو من «كتلة التيار الوطني الحر». وهكذا تكتمل المحاصصة من خلال اختيار الحريري لوزراء الطائفة السنية واختيار الثنائي الشيعي لوزراء الطائفة الشيعية واختيار جنبلاط لممثله في الحكومة.
الفرنسيون ليسوا جاهزين للتدخل وازالة العراقيل من امام التأليف، لان الرئيس الفرنسي ماكرون مشغول بالاوضاع الامنية في فرنسا سواء على مستوى ردات الفعل على الاساءة للرسول الاكرم باعلان الشرطة الفرنسية والجيش الفرنسي حالة الاستنفار وزيادة عدد القوى العسكرية المنتشرة الى نحو 15 الف جندي. كذلك، فإن فرنسا منشغلة بأزمة الكورونا، وقد قرر الرئيس ماكرون الاقفال العام لمدة شهر بعدما تجاوز عدد الاصابات 30 الفاً في اليوم الواحد وباتت تقترب من 40 الفاً. لذلك، قرر الاقفال العام مع تقديم الحكومة الفرنسية مساعدات للمؤسسات التي ستقفل، كما ان الحكومة الفرنسية ستدفع رواتب الذين يتمّ صرفهم من العمل مهما طال الاقفال او بقوا دون عمل لمدة سنة او سنتين.
الاجواء السلبية تسيطر على لبنان
مع التأخير في تأليف الحكومة، وتحوّل الاجواء من ايجابية الاسبوع الماضي الى سلبية في بداية هذا الاسبوع، واذا كان الخلاف على تشكيل الحكومة ما بين 18 وزيراً و20 وزيراً، فان ذلك هو خلاف شكلي وليس في العمق. اما الخلاف الفعلي فهو بين نظرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ونظرة الرئيس المكلف سعد الحريري، ورغبة الكتل النيابية والاحزاب السياسية في المحاصصة، فكل كتلة تريد زيادة حصتها، خاصة ان الرئيس ميشال عون و«التيار الوطني الحر» سيحصلان على الثلث المعطل مع زيادة وزيرين اذا كانت الحكومة مؤلفة من 20 وزيراً او 18. وهذا امر مفصلي بالنسبة لاي حكومة، وهو الحصول على الثلث المعطل، لان اي حكومة يستقيل فيها الثلث المعطل او يستقيل رئيسها تصبح مستقيلة حتما وفق الدستور اللبناني. وهــكذا يمســك الرئــيس عون و«التيار الوطني الحر» بمفتاح استقالة الحكومة عندما يريدان. ويُبيح الدستور لرئيس الحكومة ان يستقيل وتصبح الحكومة مستقيلة. وبالتالي، مفتاح استقالة الحكومة سيكون بيد رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» والرئيس المكلف في الوقت نفسه وتصبح حياة الحكومة بمفتاحين.
انتشار وباء الكورونا والاقفال العام … والكارثة الاقتصادية والارتياح الى قرارات وزير الداخلية
مع ازدياد نسبة اصابة المقيمين في لبنان بوباء الكورونا بات طلب الاقفال العام من قبل وزارة الصحة ملحاً وضرورياً، فيما هناك ارتياح الى قرارات وزير الداخلية محمد فهمي الذي اقفل 155 بلدة وقرية بسبب ارتفاع عدد الاصابات بفيروس كورونا فيها، كما ان وزير الداخلية فرض منع التجول من التاسعة مساء حتى الخامسة صباحاً.
لكن وزارة الصحة نظراً لعدم وجود اسرّة في المستشفيات كافية لاستقبال مرضى الكورونا، ونتيجة لعدم تعاون بعض المستشفيات الخاصة برفضها استقبال المصابين، فإن الحالات التي تتطلب العناية المركزة لم تعد المستشفيات قادرة على استيعابها، لذلك تطلب وزارة الصحة الاقفال العام وضرورة اجتماع مجلس الدفاع الاعلى، وتحقيق هذا الامر يختلف عليه اللبنانيون، فقسم منهم يفضلون اقفال المناطق الاكثر اصابة بالكورونا وترك مناطق مفتوحة لعدم ارتفاع المصابين، فيما فئة من اللبنانيين تشارك وزارة الصحة وتطلب الاقفال العام نظراً لارتفاع الاصابات بشكل جنوني عبر الاختلاط البشري وعدم الالتزام بالتباعد البشري ولبس الكمامة والوقاية بشكل سليم، ممّا يؤدي الى ارتفاع حالات الوفيات وانتشار الفيروس اكثر، الا ان «الهيئات الاقتصادية» تحذر من كارثة سواء بالنسبة للحانات والمحلات التجارية. اما بالنسبة للمطاعم والفنادق والمصانع وكل المؤسسات التي يشملها الاقفال العام، فاذا اتخذ المجلس الاعلى هذا القرار فإنه يسبب بكارثة اقتصادية بكل ما للكلمة من معنى وفق الهيئات المشرفة على هذه المراكز التجارية والسياحية والصناعية وحتى الزراعية، وخاصة مصانع المواد الغذائية التي يحتاج اليها الشعب اللبناني كي تبقى موجودة في الاسواق، وايضاً مصانع الادوية التي تقوم بتصنيع الادوية نظراً لحاجات الصيدليات والمستشفيات لها.
وتذكر «الهيئات الاقتصادية» ان فرنسا وبريطانيا اللتين اعلنتا الاقفال العام تقوم بالتعويض مالياً على كل المؤسسات المقفلة، كما تدفع رواتب الموظفين في القطاع الخاص، اضافة الى الموظفين في القطاع العام. اما في لبنان اذا كانت الدولة غير قادرة على دفع الرواتب لموظفيها، فكيف تستطيع ان تدفع للقطاع الخاص، فيما تتحمل الهيئات الاقتصادية من صناعية وتجارية وزراعية خسائر كبرى نتيجة الاقفال العام، وهي غير قادرة على الاستمرار، لان الاقفال العام هو مؤقت ويكون لمدة شهر ويلحق بها خسائر، وبعد الاقفال العام يعود انتشار الكورونا وكأن شيئا لم يحصل. وهكذا تدفع «الهيئات الاقتصادية» ثمناً باهظاً بالخسائر مقابل راحة المستشفيات ووزارة الصحة من خلال معالجة المصابين وتأمين الاسرّة لهم كما تأمين العناية المركزة للحالات الصعبة والدقيقة..