تحقيقات - ملفات

حرّية ماكرون وديمقراطيّة غايسو

من قال إنّه ليس للحرّية حدود أو ليس للديمقراطية رادعٌ لا سيما في الولايات المتحدة الأميركيّة وأوروبا وعلى رأسها فرنسا. ذلك الغرب الذي رفع هذه الشّعارات وصدّرها لنا ليعلّمنا حريّة الرّأي والتعبير، ونحن أحرار منذ أن ولدنا، وليرسّخ في قوانيننا مفاهيم ديمقراطيته التي رسمها على مقاسه لتخدم أهدافه وسياساته. دون أن يشير إلى حدود تلك الحرية ونهايات الديمقراطية التي يطبّقونها في دولهم.

وعلى سبيل المثال عندما تشاهد عنصرية الشّرطة في الولايات المتحدة الأميركية ضدّ المواطنين السّود أو القوانين العنصرية التي تطبّقها على السّكان الأصليين من الهنود الحمر لا يكون هناك دورٌ للحريّة بل يتحوّل المواطن الأسود والهندي الأحمر إلى متمرّد على الدولة إذا ما حاول المطالبة بأبسط حقوقه الإنسانيّة، وقس على ذلك…

أمّا الحدّ الأكبر للحريات والديمقراطيّات الملوّنة فهو الساميّة التي تشكّل السدّ المنيع بوجه كلّ باحث عن الحقيقة، ذلك السّد السامي الذي يتحوّل إلى تهمةٍ وجريمة جنائيةٍ وسجن ومقاطعة وعزل لاحقاً. وعلى سبيل المثال لا الحصر يشرّع القانون في فرنسا الحق لمجلة “شارلي إيبدو” في نشر الرسوم المسيئة للنبي الأكرم والتداول بها، مع أنّها صور تسيء لرأس الإسلام وتستفزّ نحو ملياري مسلم في العالم تحت عنوان حرّية التعبير عن الرأي، كما تعطي الحقّ للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالإصرار على الإساءة وتعميمها وتحويلها إلى تعبئة عدائيّةٍ وعنصريّة ودينية قد تتسبّب بالمزيد من العنف والمواجهة.

وفي نفس القانون الفرنسي يتجاوز أستاذ الأدب الفرنسي في جامعة ليون الباحث والمؤرّخ روبير فوريسون حدود الحرية والديمقراطيّة في فرنسا بسبب تكذيبه لمجازر الهولوكوست من خلال أبحاثه المنهجيّة والأكاديمية وتحقيقاته التي أجراها على مدى سنوات ليخرج بكتابه الأطروحة (أكذوبة المحرقة اليهوديّة) الذي أثبت فيه أنّ الغاز الذي قيل أنّه استُعمل لإبادة اليهود لم يكن موجوداً بالأصل، وأنّ ما ذكرته بعض الكتب عن المحرقة النازيّة ضدّ اليهود هو مجرد خرافة هدفها دعم قيام الكيان الصهيوني.

ومع ظهور كتابه وعلى مرأى من رجال الأمن الفرنسيين تعرّض فوريسون إلى هجومٍ من قبل مجموعة من الطلاب الصّهاينة أدّى الى دخوله إحدى المستشفيات في باريس، وتلقّى العديد من رسائل التهديد بتصفيته جسدياً من منظّماتٍ وجمعيّات صهيونية ناشطةٍ في أوروبا، واتهم بمعاداة السامية والعمل على بثّ وترويج ثقافة الكراهية والتّحريض ضدّ اليهود وتمّ سجنه لمدة ثلاثة أشهر مع تغريمه مبلغاً بقيمة 120 ألف فرنك فرنسي، وعلى أثر إقرار البرلمان الفرنسي عام 1990 لما سمّي “قانون غايسو” الذي يجرّم كل من ينكر وجود الهولوكوست تمّت محاكمة فوريسون وحكم عليه بغرامة ماليةٍ وطرده من جامعة ليون عام 1991 وفرض الإقامة الجبرية عليه دون أيّة حماية من الشرطة الفرنسيّة، وبقي كذلك إلى أن توفي في منزله عام 2018 عن عمر يناهز 89 سنة، وقد حُرم طلابه ومعارفه من حضور جنازته.

تلك هي حريّة الغرب التي تنتهي عند حقيقة إنكار الهولوكوست ويتوسّع فضاؤها عند التهجّم على مقدّساتنا ورموزنا، أيّاً كانت تلك الرموز، وعلى رأسها النبي المرسل رحمة للعالمين وليس للمسلمين يهاجم النبي ويساء إليه رسماً وتعبيراً ولفظاً وبإصرار ماكرون تحت عنوان الحرية ينتهكون مقدّساتنا يستبيحون دماءنا يدمّرون أوطاننا بحجّة التغيير والديمقراطيّة وهم أكثر الناس ديكتاتورية وتاريخ فرنسا الحافل بالمجازر يشهد من الجزائر إلى بلاد الشام. تسقط ديمقراطيتهم في متاحف جماجم الثّوار الجزائريين وتعلق ساميتهم التي يدّعونها على مشانقهم التاريخيّة في دمشق وبيروت، ويتباهون بتاريخٍ عريقٍ من الإجرام أقام على أنقاض الآخرين وطناً للموت والعنصريّة لأنهم لا يعرفون من الحضارة شيئاً ولا من الحرية التي يستثمرونها إلّا مصالحهم وما بين حرّيتهم (السامية) الموشومة بـ “قانون غايسو” التي تستميت دفاعاً عن أكذوبة الهولوكوست وحريتنا الإنسانيّة التي خطّيناها بالتضحيات والدماء من فلسطين إلى اليمن وما بينهما من جحافل شهداء صانوا الأوطان والإنسان وتلك قمّة الحضارة والرّقي والسّموّ.

المصدر: شوقي عواضة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى