“الارتزاق”، واحدة من أقدم المهن غير الشرعية في التاريخ، إذ تعني القتال من أجل المال، ولذلك تعتمد دول عدّة على استغلال الوضع المعيشي الصعب في الدول الفقيرة، لجلب شبان وتدريبهم عسكريا، وإدخالهم آتون حرب خارج بلادهم، لتحقيق مصالحهم بأقل خسائر ممكنة.
“الارتزاق” قانوناً
معادلة عسكرية محرمّة دولياً بموجب الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، تاريخ كانون الأول 1989، ما يفيد بأنها وسيلة ليست بالحديثة، إلا أن وتيرة توظيف المرتزقة في الفترة الأخيرة ارتفع كثيرا بسبب ازدياد الأزمات والتوترات حول العالم.
القرن الثاني عشر وعصر النهضة
تاريخياً، استخدمت كل من بلاد فارس، روما، واليونان المرتزقة، وشاع استخدامهم في القرن الثاني عشر حتى السادس عشر، بعدما اعتمدت بريطانيا على جنود ألمان مأجورين أثناء الثورة الأميركية (1775 – 1783)، سُموا حينها “جنود هسن”، لمحاربة السكان الأميركيين.
وفي عصر النهضة، تأسست الشركة البيضاء “The white company”، التي تضم مجموعة من الجنود الذين يتلقون أموالهم لمشاركتهم في حروب بإيطاليا، إذ عرفوا بداية بدفاعهم عن بابا الفاتيكان، ومن ثم قاتلوا ضده، وحاربوا لأجل مدينة ميلانو وتآمروا عليها فيما بعد.
أسباب الاعتماد عليهم
وتختلف أسباب استخدام المرتزقة ولكن في غالبيتها تتمحور حول: عدم ثقة المواطنين بالحرب الخارجية التي دخلتها دولتهم، تخفيض الخسائر، الإمكانات البشرية المحدودة، ومشاركة الدولة بحرب خارجية من خلف ستارة بهدف التملص من المسؤولية عبر المشاركة في الحروب سرّاً.
وهذا ما يؤكد عليه، المحلل العسكري والاستراتيجي، العميد المتقاعد ناجي ملاعب، في حديث لموقع “الحرة”، ويقول إن “السبب الرئيسي وراء اعتماد الدول على مرتزقة هو التملص من المسؤولية، إذ أن جميع الاعتداءات والأعمال الشائنة المرتكبة يتحملها هؤلاء الشبان وحدهم”.
كما تظهر المهمة الرئيسية المولجة لهؤلاء الأشخاص السبب وراء الاعتماد عليهم، وهي التواجد في الصفوف الأمامية وارتكاب أفظع الجرائم والسرقات، وتحقيق مصالح مشغليهم بكلفة ومسؤولية شبه معدومة.
أجندات ومصالح مختلفة
وفي السنوات الأخيرة الماضية، يمكن اعتبار سوريا أبرز من شهد المرتزقة على أراضيها، إذ اعتمدت روسيا على مجموعة “فاغنر”، التي دعمت النظام السوري منذ عام 2014 و2015.
كذلك تنتشر هذه المجموعة في ليبيا، وأوكرانيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها.
المرتزقة السوريين
وأخرجت الأزمة السورية وازدياد الوضع المعيشي صعوبة مجموعة كبيرة من الأشخاص المستعدين للقتال من أجل المال، حتى بات مصطلح “مرتزقة سوريين” يتداول بكثرة، إذ يتم استخدامهم من قبل أنقرة وموسكو لدعم حلفائهم في ليبيا والمعارك المندلعة في ناغورنو قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان .
وردا على سؤال حول اهتمام روسيا وتركيا بتجنيد السوريين للقتال في الخارج، لفت ملاعب، إلى أنّ “سوريا من الدول التي تعتمد على التجنيد الإجباري، ولذلك لحظنا اهتمام أنقرة وموسكو في الاعتماد على هؤلاء الشبان المدربين عسكرياً، للمشاركة في معارك خارج دولهم لقاء مبالغ مالية”.
وتجري عملية تجنيد المقاتلين السوريين من خلال شركات أمنية وهمية تتخفى ورائها الأنظمة، لإخلاء مسؤولية الحكومات عن العمليات خارج الحدود، وبعد جذب الشباب اليائسين في سوريا بالمال وتسهيل أمور هجرتهم إلى أوروبا، وفقاً لما ذكره أحد المعارضين السوريين في غازي عنتاب، لموقع “الحرة”.
معارك لقاء “خبز ودواء”
وعن قبول الشباب بهذه “الوظيفة” المحفوفة بالمخاطر، يقول المعارض، الذي رفض الكشف عن اسمه لدواع أمنية، “إنّ غالبية السوريين الذين أرسلوا إلى ليبيا وإقليم ناغورنو قره باغ، وافقوا على العروض المالية لإعانة عائلاتهم في سوريا على شراء الحاجيات الأساسية من الدواء والخبز لا أكثر”.
ولفت إلى أنّ “الجيل الشاب في سوريا نشأ في الحرب، إذ أنّ من هم في العشرين من عمرهم، غالبيتهم لم يتمكنوا من إكمال دراستهم أو تحصيل فرصة عمل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ما يجعل القتال مهنة كغيرها بالنسبة لهم ولعائلاتهم أيضاً”.
المصدر: الحرة