“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني
لا قيامة تُرتجى للبنان ولا لحكومته العالقة بين فكّي كمّاشة تُحاول كل جهة الإطباق على الأخرى للفوز بغلّة وافرة من النفوذ السياسي. فالأمور جميعها من وضع اقتصادي وسياسي وصحّي واجتماعي على حالها، بل إلى الأسوأ، والأسوأ من هذا كلّه، إصرار جزء كبير من القوى السياسية الحاكمة على ضرب ما تبقّى من آمال لشعب مُعلّق على حبال الأمنيات والتمنيّات، أقلّه بجنازة تُليق بتضحياته ودرب الجلجلة التي سار عليها، منذ كُتب عليه أن يكون مواطناً لبنانياً.
تتعدد الأزمات في لبنان، والنتيجة واحدة: الشعب اللبناني ليس بخير. فمن رحم الوجع والألم، ومن القهر الذي أصبح من يوميّات اللبنانيين، تستمد السلطة السياسية طاقتها للإستمرار في التعطيل وزيادة نسب الأزمات في بلد بات مفتوحاً على جميع الإحتمالات، الأمنيّة منها والاجتماعية بكّافة أنواعها. والأنكى من هذا كلّه، أن المبادرات جميعها، تحوّلت بدورها إلى أداة بيد أصحاب الرأي والنفوذ السياسي، فيستمدون من خلالها مُهل إضافية لتضييع الوقت، بإنتظار الحلول التي يرتجونها أو الإستحقاقات التي يُعوّلون عليها للإستمرار في نهجهم الحالي.
الأطراف السياسية تتقاذف في ما بينها تُهم التعطيل، وترمي كل جهة فريق الأخر، بوابل من المسؤوليات خصوصاً لجهة تعطيل مهمة السفير مصطفى أديب في تأليف الحكومة وإيصاله إلى طريق مسدود. وامس الاول عبّر الامين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله في جزء من كلامه، عن الأسباب التي أدت إلى إنطلاق المبادرة الفرنسية، والأسباب التي أدت إلى نسفها وإن ظلّ في كلامه، ما يوحي بإستمرار التعويل على هذه المبادرة، ولكن ضمن شروط حددها نصرالله، أبرزها، ان يعود كوالياً أو حاكماً، أو قاضياً ولا وصيّاً.
البعض استشّف من كلام نصرالله تطيير المبادرة الفرنسية بشكل كُلّي، ليس من خلال الشروط التي وضعه فحسب، إنما أيضاً من باب مطالبته سيّد الإليزيه بأن يُعيد النظر بالمبادرة وبلغة التخاطب وتحديداً لجهة ما وصفه التطاول على كرامات الناس وذلك في معرض حديثه عن الجهات التي تتقاضى أموالاً.
ويقول سياسي بارز، أن نصرالله تعمّد تطيير التأليف لأسباب أفصح هو عنها من خلال ربطه بينها وبين العقوبات الأميركية عليه، وأيضاً من خلال ربطها بخطاب الملك سلمان بن عبد العزيز الذي هاجم فيه كل من ايران وحزب الله. ولهذا سوف نرى في المقبل من الأيّام، المزيد من اللعب على عامل تضييع الوقت لدى “حزب الله”، ريثما تصل الإشارة أو كلمة السرّ الإيرانية.
أمّا لجهة “حزب الله”، فقد اعتبرت مصادره لـ”ليبانون ديبايت” أن كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول استمرار مبادرته، يدحض كل هذا الكلام، ولطالما أكد الفرنسي أم مبادرته مُستمرة، فهذا يعني أنه صاحب الرأي الأول والأخير في استمرارها أو نعيها. أيضاً فإن الرئيس الفرنسي قد أعطى مهلة من أربعة الى ستة أسابيع، ونحن أيضاً مُستمرون معه في مبادرته ومستعدون للتعاون معها الى أقصى الحدود.
وتابعت مصادر “الحزب”: هناك ثلاث جهات اطلقت النار على المبادرة: أولاً الأميركي الذي راح يُمارس سياسة العقوبات والقول جهاراً أنه لا يُريد “حزب الله” بأي حكومة. ثانياً: عندما يوافق الفرنسي على منح “الثنائي الشيعي” وزارة المالية، ويوافق على انخراط الطائفة الشيعية في الحكومة، فجأة يخرج الملك سلمان بن عبد العزيز بكلام يتهم فيه “الحزب” بالإرهاب، وهو بهذا الكلام قد وجّه رسالة تحذيرية للرئيس المكلف مصطفى أديب أنه في حال ضمّ “الحزب” إلى حكومته، سوف تمتنع السعودية عن التعاون معه. أمّا الجهة الثالثة بحسب المصادر، فهي نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين وضعوا كميّات من الشروط والعراقيل والاقتراحات، من شأنها احراج “الحزب” وذلك في محاولة منهم للتغلّب على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.
وختمت المصادر قولها: كل هؤلاء كانوا يُريدون إحراج حزب الله وإخراجه من المشاركة في الحكومة ومن اختيار الأسماء وجعله في مواجهة مع الفرنسي، لكن السيد نصرالله أبطل أمس الأول سحرهم وعرّاهم بعد أن فنّد واقع الحال، قبل أن يُختم المشهد بإنقلاب السحر على الساحر.
في سياق الرد، يعود المصدر السياسي ليُشير إلى أن حزب الله لم يعد بإمكانه اللعب على عدة جبهات وقد رأى الجميع كيف أنه يبدو اليوم أشبه بثائر ضائع على الجبهات، لذلك وبعد ان رأى تشتته بأم عينه وشعر بصعوبة المواجهة السياسية مع الداخل والخارج، يُحاول اليوم جرّنا إلى حرب ولو وهميّة، لكي يُريح نفسه من الاتهامات التي تُلاحقه في كل بقعة.