الثنائي” يُرسّم الحدود مع المبادرة الفرنسية
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
خيّمت كورونا على أجواء قصر بعبدا. النشاطات واللقاءات جرى تجميدها في ضوء حركة الفيروس التاجي الذي رصد تسلله إلى داخل “بيت الشعب” ليبدأ إنتقاله من موظف لآخر. حركة التطهير بدأت. المطلوب عملياً الشروع فوراً بورشة تعقيم المبادرات!
رئيس الجمهورية ميشال عون الذي ولد خشية من احتمال تسلّل الفيروس إليه، أُخضع للفحص الكوروني وجاءت نتيجته سلبية، لكن ذلك لا يعفي أن يكون مصاباً بعارض سياسي اسمه تلازم المسارات بين الانتخابات الأميركية والمبادرة الفرنسية. على العموم أدخل الرئيس غرفة الحجر الصحي. سبق ذلك دخول البلاد غرفة حجر سياسي تبعاً لاصابة الجميع بفيروس نقص المناعة المكتسبة من المبادرة الفرنسية. تحولت المبادرة إذاً إلى فيروس معدي يفتك بعموم أهل الطبقة والكل يحجر نفسه، فلا حركة ولا مبادرة، ومهلة الـ 6 أسابيع “الفرنسية” بدأت بالتآكل على وقع حالة الاغلاق السياسي التام.
في أجواء القصر إذاً لا مؤشرات تدل إلى دعوة قرببة لاستشارات نيابية ملزمة أقله خلال الأسبوع المقبل، لكن التنسيق “الهاتفي” يرفعه الرئيس عون إلى درجة الاولوية، وعلى رأسه التنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري كأحد المعنيين بالدعوة.
وحده الثنائي الشيعي خرقَ الجمود السياسي القاتل. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أخضعَ المبادرة الفرنسية ومطلقها إلى ورشة تعقيم وتطهير “أخلاقي” معيداً ترسيم خطوط الطول والعرض لاسلوب التعاطي السياسي مع المبادرة. في زاوية أخرى، أجهزَ نصرالله بالكامل على المرحلة الاولى من المبادرة ورسم قواعد الشروع في مفاوضات المرحلة الثانية.
سبق ذلك أن ظهرت على الحزب ملامح إعتماد أدبيات جديدة في النظرة إلى الازمة الحكومية. هذا بحد ذاته مثّل عقدة. قلّ ما وجدنا الحزب يختلق المعارك لدواعٍ سياسية. للمرة الاولى، بدا على حزب الله التشدّد والاصرار والحساسية في التعاطي مع قضية ذات شأن حكومي، وهذا طبع المرحلة الاولى من المبادرة. عادةً، كان يهب حليفه الرئيس نبيه بري تولي مثل هذه التفاصيل ويمنحه حق إتخاذ القرار بالنيابة عن الثنائي. ما حدث ودفع الحزب تجاه إدخال تعديلات على أدبياته أن لمس دوافع هجومية لدى البعض هدفها سلبه مكتسباته التي حققها سواء في الداخل أو الخارج، وإظهاره كفئة خاسرة.
الثابت بعد كلام نصرالله أن الحزب لن يقدم نسخة تفاوضية مشابهة لما دار رحاه في المرحلة الاولى، وبعدما ادرك ما كان يطبخ، يتجه الآن لأن يكون أكثر تشدداً في مناقشة ظروف المرحلة الثانية بعد أن حول الخلاصات التي جمعها في المرحلة الاولى إلى بوصلة ترشده سياسياً.
مع ذلك، ترك نصرالله كلمة مفتاحية في خطابه اول من أمس، حين كرر الترحيب بالمبادرة الفرنسية، ما يعني أن حزب الله ما زال تحت سقف المبادرة ومستعد لإتاحة المجال لها. لكن الواقع يقول أن شروطه قد اختلفت، فما كان يصلح في البدايات لم يعد يصلح الآن، وفي هذا دعوة لبدء المناقشات من نقطة الصفر وتجاوز كل النتائج السابقة.
لكن قبل ذلك، فإن ترطيب الاجواء تحديداً بين الثنائي الشيعي وباريس باتت أولوية بالنسبة إلى المهتمين بمصير انتاج الحكومة. ثمة من يرى أن الحلول في لبنان تبدأ من استصلاح طريق حارة حريك – الاليزيه. منذ أن فرغَ نصرالله من خطابه، أجريت اتصالات ادارها وسطاء بهدف اعادة ترطيب الاجواء بين الجانبين، على أمل أن يعقد لقاء قريب في قصر الصنوبر قبل مغادرة السفير الفرنسي برونو فوشيه.
حتى الآن، فإن العلاقة بين الثنائي الشيعي والفرنسيين يمكن إطلاق توصيف القطيعة عليها. منذ تلاوة الرئيس الفرنسي محضره الساخن في المؤتمر الصحفي الشهير، اتخذَ الثنائي الشيعي قراره تجميد التواصل ولم يرصد من حينه أي إتصال على الخطين. حتى أن السفير الفرنسي نأى بنفسه عن أي تواصل بعدما لاحظت أوساط عاملة على خط المبادرة الفرنسية أن التراكمات السلبية أسست لرفع جدار بين مختلف القوى والدبلوماسية الفرنسية، أما المطلوب الآن تمرير المرحلة والوقت كفيل بإذابة الجليد.