اللاحكومة ومفاوضات الترسيم: حسابات «محور الممانعة»

 

رفيق خوري

المناخ ليس واحداً في لبنان. لا حول تأليف حكومة تخرجه من هاوية الأزمات بحسب شروط المبادرة الفرنسية التي قادها إيمانويل ماكرون، ولا حول المفاوضات في رأس الناقورة لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل بإشراف الأمم المتحدة ورعاية أميركا في دور “الوسيط والمسهّل”.

فلا شيء يوحي بأن مطالب “الثنائي الشيعي” التي دفعت الرئيس المكلف مصطفى أديب إلى الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة، قد تبدلت كلياً أو حتى جزئياً في التعامل مع الرئيس سعد الحريري الذي دعي في الماضي لتأليف الحكومة فاعتذر ورشح السفير أديب، ومن ثم دعا نفسه أخيراً لمحاولة التأليف قبل التكليف.

ولا أحد يعرف إن كانت المفاوضات ستصل إلى نتيجة أم أنها ستتعرض إلى تفجير ألغام خطيرة سواء لأهداف تكتيكية أو إستراتيجية. لكن الكل يعرف أن لبنان اصطدم ولا يزال بتناقض الحسابات المحلية والخارجية.

فهو طلب الوساطة الأميركية لأنه يعرف أنها الباب الوحيد لإمكان النجاح، لكن “حزب الله” يطالبه بأن يلعب دوراً في قتال أميركا وحلفائها من الأشقاء العرب في إطار الهدف الذي رسمته طهران وهو “إخراج القوات الأميركية من غرب آسيا”.

وهو يريد التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية والبرية، بحيث يتمكن من استخراج الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة له.

لكن “محور الممانعة” يُرسم له دور في تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وقت اندفاع الدول العربية نحو اتفاقات سلام مع إسرائيل للتركيز على مواجعة خطرين متجدّدين على العرب والعروبة: خطر المشروع الإيراني الذي سماه الملك عبد الله الثاني “الهلال الشيعي”، وخطر المشروع الإخواني الإرهابي الذي يوظفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خدمة “العثمانية الجديدة” وأحلام الخلافة.

خطران يسيران حالياً على خطوط متقاربة مرشحة للتصادم. وقد حذّر رئيس الوزراء التركي السابق ورئيس حزب “المستقبل” المعارض حالياً أحمد داوود أوغلو من صدام بين “الهلال” الشيعي وبين “البلوك” السني.

لكن مصادرة لبنان لدور أكبر من قادته إلى أخطر أزمة مالية واقتصادية واجتماعية وسياسية ووطنية. وما تفعله أميركا وفرنسا والأشقاء العرب هو فتح طريق لإنقاذه عبر تأليف حكومة مستقلين اختصاصيين تجري “إصلاحات هيكلية” وتتمكن من الحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي و “مجموعة الدعم الدولية للبنان”، كما من دخول نادي الغاز شرق المتوسط بعد ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. ومن يصادره يصرّ على الاستمرار في هذا الأمر ولو انهار نهائياً، بحسب نظرية “التدمير الخلاق”. يصرّ على أن تكون المفاوضات مجرد “هدنة” احتاجتها ايران عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية واحتاجها “الثنائي الشيعي” لتلاقي المزيد من العقوبات الأميركية.

ويصرّ، بعدما ضاع وقت طويل في التمسك بالربط بين ترسيم الحدود البحرية والبرية، على رفض أي ترسيم للحدود البرية بحجة أنه “اعتراف غير مباشر” بالعدو الذي يجب محاربته حتى النهاية.

محاربته بمن وبماذا؟ بلبنان على حساب مصلحته الوطنية. والصواريخ الإيرانية لدى “حزب الله” والتي يعرف الجميع أنها تؤذي إسرائيل لكنها لا تحرّر أرضاً، ولا تحول دون إقدام إسرائيل على تدمير لبنان.

لا بل إن “المقاومة الإسلامية” توقفت عن المقاومة في مزارع شبعا المحتلة التي كانت حجتها للاحتفاظ بالسلاح. فلم تعد في حاجة إلى غطاء للاحتفاظ بترسانة عسكرية هائلة تحت اسم المقاومة والتصدي لأي اعتداء إسرائيلي، إذ صارت وظيفة السلاح في سوريا والعراق واليمن.

يقول السفير الأميركي زالماي خليل زاد الذي تولى التفاوض على الاتفاق الأخير بين أميركا وطالبان “إن إيران تريد إبقاءنا متورطين في أفغانستان من دون أن نربح أو نخسر، لكن أن ندفع ثمناً باهظاً حتى يتم التوصل إلى اتفاق بينها وبين أميركا”.

وهذا عملياً ما ينطبق على لبنان الذي هو في الحد الأدنى “ورقة” للمساومة بين واشنطن وطهران، وفي الحد الأقصى جزء من الإمبراطورية الإيرانية التي عنوانها ولاية الفقيه. والثمن كبير، سواء كنا مجرد “ورقة” أو مساحة جغرافية. لكن اللعبة الجيوسياسية ليست في اتجاه واحد. والحدود ضاقت كثيراً بين الأحلام والكوابيس.

المصدر: اندبندنت

Exit mobile version