الأخبار-عباس بوصفوان
هل يُفهم من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بمرشّحة الرئاسة الأميركية لعام 2016، هيلاري كلينتون، والتي أعاد موقع وزارة الخارجية نشرها، أخيراً، بناءً على طلب الرئيس دونالد ترامب، أن وزيرة الخارجية السابقة كانت معارضة للتوغّل العسكري السعودي – الإماراتي في البحرين، بغية الإجهاز على الاعتصامات السلمية الحاشدة، بين منتصف شباط/ فبراير ومنتصف آذار/ مارس عام 2011، في ذروة «الربيع العربي» المقبور؟
إذا أخذنا الإعلام السعودي والإماراتي والمصري وحتى الروسي مثالاً، فإنه يكاد يلوي عنق الحقيقة، حين يختار عبارة مجتزأة، من إحدى رسائل كلينتون، التي كُشف عنها قبل يومين، للقول إن إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ونائبه المرشّح الحالي جو بايدن، كانت رافضة للتوغّل العسكري في المنامة. الأسئلة التي تواجه السردية هذه، تظلّ من دون أجوبة، ومن بينها: إذا كانت القوّة العظمى، المهيمنة على دول الخليج، تمانع استخدام قوّة سعودية – إماراتية للفتك بمعتصمي دوار اللؤلؤة، فكيف يمكن تفسير حصول التدخل الدامي، في وضح النهار؟
للإجابة عن ذلك، سأكتفي بالإشارة إلى ما أظنه السرّ الذي يعلّل التدخل الذي جرى تحت غطاء «درع الجزيرة»، وساهم في قتل العشرات من المواطنين البحرينيين العُزّل، بشهادة الأميركيين، فضلاً عن أنه قاد إلى تحوّل الجزيرة الصغيرة إلى ما يشبه الحالة الأحادية السعودية والإماراتية، لجهة انعدام الحريات السياسية، وهامشية المؤسّسة التشريعية، وكذا تآكل مساهمة المجتمعين السياسي والمدني في الحياة العامة.
جواب الأحجية يكمن في عناصر متعدّدة؛ نشير إلى عنصرين منهما، أحدهما مشهور، ويجري الكلام عنه، وهو المعطى الليبي، وحاجة أميركا إلى الدعم الخليجي لإطاحة معمر القذافي. تقرّ كلينتون بأن مقايضةً جرت بينها وبين وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، مفادها أن تغضّ واشنطن الطرف عن مساهمة «درع الجزيرة»، إلى جانب الجيش البحريني، في قمع الحركة المعارضة، في مقابل أن تحصل الولايات المتحدة على دعم خليجي وعربي لاستخدام القوة العسكرية لإسقاط حكومة القذافي.
لكن البعد الأساسي في حلّ أحجية التوغّل يتمثّل في موقف «البنتاغون» وقيادة الأسطول الخامس في البحرين، من الحركة الاحتجاجية. في بلدان الخليج، وخصوصاً في البحرين، فإن كلمة وزارة الدفاع الأميركية، تعلو تقدير الموقف الذي تتبنّاه وزارة الخارجية. وبالنظر إلى كون المنامة تستضيف قيادة الأسطول الخامس، فإن موقف الجنرالات القابعين في القاعدة في منطقة الجفير، يعتبر أهم من التقييم الذي يسرده مسؤولو وزارة الخارجية، بما في ذلك جيفري فيلتمان، الذي كان «وسيطاً» بين المعارضين وولي العهد سلمان بن حمد، في لحظة القمع الدامية.
الأحجية تُحلّ حين نعلم أن وزير الدفاع الأميركي الأسبق، روبرت غيتس، كان في لقاء مع الملك البحريني، حمد بن عيسى، في الوقت الذي أفاد الملحق العسكري الأميركي في الرياض، في 13 آذار/ مارس 2011، «عن حركة غير عادية للجيش في المملكة العربية السعودية، وأن هذه الوحدات قد تكون متّجهة نحو البحرين». بمجرّد أن غادر غيتس المنامة، أعلن الملك حالة الطوارئ، وسلّم الجيش البحريني دفة القيادة، حين بدأ نحو ألف جندي سعودي و500 شرطي إماراتي يتدفّقون لوضع حدّ لأضخم تظاهرات شهدتها الجزيرة منذ خمسينيات القرن الماضي.
صحيح أن غرض ترامب من نشر رسائل هيلاري كلينتون عشيّة الانتخابات الأميركية، إحراج مسؤولها السابق، المرشّح الحالي جو بايدن، وإبراز مكامن الخلل في سياسة أوباما – بايدن الخارجية، بيدَ أن تواري «البنتاغون» وتجاهل السرديات المتعدّدة لوجود غيتس لَحظة التوغّل السعودي، هدفه أن ينفض العسكر الأميركيون القابعون في المنامة يدهم من الدم الحرام المسفوك على بعد أمتار من القاعدة، وأن يبرّؤوا أنفسهم من التعدّيات المروّعة على حقوق الإنسان، وخصوصاً أن «البنتاغون» يحتاج إلى أن يُبقي على علاقة حسنة مع الجمهور المعارض، وأن لا يشار إليه كمشجّع على سفك الدم البحريني.
الحقيقة، أن موقف «البنتاغون» يحتاج إلى أن نشير إليه مرة أخرى، كي نفهم قدرة الكويت على مواجهة الضغوط القادمة من البيت الأبيض في شأن التطبيع، وكي نفهم قدرة قطر على شدّ علاقتها مع الولايات المتحدة، بعد تأييد ترامب لفرض الحصار عليها من قبل السعودية. لكنّي سبق أن عالجت بعض ذلك في مقالة «البحرين في عيون أميركا: حاملة طائرات عملاقة».
وفي ختام هذه القراءة السريعة، نلفت الانتباه إلى أن البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأميركية كادوا أن يفقدوا المبادرة بحرينياً، في لحظة 2011، بمجرّد أن انتصر «البنتاغون» للحلّ العسكري. وهذا ما أبقى التنديدات القادمة من الخارجية والبيت الأبيض أقرب إلى كلام، من دون فعل. بل يمكن القول إن الجهد الذي تبذله وزارة الخارجية، الداعي إلى التسوية والحوارات، يَظهر كأنه تبييض لموقف العنف الذي يؤيّده «البنتاغون».
إذا أخذنا الإعلام السعودي والإماراتي والمصري وحتى الروسي مثالاً، فإنه يكاد يلوي عنق الحقيقة، حين يختار عبارة مجتزأة، من إحدى رسائل كلينتون، التي كُشف عنها قبل يومين، للقول إن إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ونائبه المرشّح الحالي جو بايدن، كانت رافضة للتوغّل العسكري في المنامة. الأسئلة التي تواجه السردية هذه، تظلّ من دون أجوبة، ومن بينها: إذا كانت القوّة العظمى، المهيمنة على دول الخليج، تمانع استخدام قوّة سعودية – إماراتية للفتك بمعتصمي دوار اللؤلؤة، فكيف يمكن تفسير حصول التدخل الدامي، في وضح النهار؟
للإجابة عن ذلك، سأكتفي بالإشارة إلى ما أظنه السرّ الذي يعلّل التدخل الذي جرى تحت غطاء «درع الجزيرة»، وساهم في قتل العشرات من المواطنين البحرينيين العُزّل، بشهادة الأميركيين، فضلاً عن أنه قاد إلى تحوّل الجزيرة الصغيرة إلى ما يشبه الحالة الأحادية السعودية والإماراتية، لجهة انعدام الحريات السياسية، وهامشية المؤسّسة التشريعية، وكذا تآكل مساهمة المجتمعين السياسي والمدني في الحياة العامة.
جواب الأحجية يكمن في عناصر متعدّدة؛ نشير إلى عنصرين منهما، أحدهما مشهور، ويجري الكلام عنه، وهو المعطى الليبي، وحاجة أميركا إلى الدعم الخليجي لإطاحة معمر القذافي. تقرّ كلينتون بأن مقايضةً جرت بينها وبين وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، مفادها أن تغضّ واشنطن الطرف عن مساهمة «درع الجزيرة»، إلى جانب الجيش البحريني، في قمع الحركة المعارضة، في مقابل أن تحصل الولايات المتحدة على دعم خليجي وعربي لاستخدام القوة العسكرية لإسقاط حكومة القذافي.
لكن البعد الأساسي في حلّ أحجية التوغّل يتمثّل في موقف «البنتاغون» وقيادة الأسطول الخامس في البحرين، من الحركة الاحتجاجية. في بلدان الخليج، وخصوصاً في البحرين، فإن كلمة وزارة الدفاع الأميركية، تعلو تقدير الموقف الذي تتبنّاه وزارة الخارجية. وبالنظر إلى كون المنامة تستضيف قيادة الأسطول الخامس، فإن موقف الجنرالات القابعين في القاعدة في منطقة الجفير، يعتبر أهم من التقييم الذي يسرده مسؤولو وزارة الخارجية، بما في ذلك جيفري فيلتمان، الذي كان «وسيطاً» بين المعارضين وولي العهد سلمان بن حمد، في لحظة القمع الدامية.
الأحجية تُحلّ حين نعلم أن وزير الدفاع الأميركي الأسبق، روبرت غيتس، كان في لقاء مع الملك البحريني، حمد بن عيسى، في الوقت الذي أفاد الملحق العسكري الأميركي في الرياض، في 13 آذار/ مارس 2011، «عن حركة غير عادية للجيش في المملكة العربية السعودية، وأن هذه الوحدات قد تكون متّجهة نحو البحرين». بمجرّد أن غادر غيتس المنامة، أعلن الملك حالة الطوارئ، وسلّم الجيش البحريني دفة القيادة، حين بدأ نحو ألف جندي سعودي و500 شرطي إماراتي يتدفّقون لوضع حدّ لأضخم تظاهرات شهدتها الجزيرة منذ خمسينيات القرن الماضي.
صحيح أن غرض ترامب من نشر رسائل هيلاري كلينتون عشيّة الانتخابات الأميركية، إحراج مسؤولها السابق، المرشّح الحالي جو بايدن، وإبراز مكامن الخلل في سياسة أوباما – بايدن الخارجية، بيدَ أن تواري «البنتاغون» وتجاهل السرديات المتعدّدة لوجود غيتس لَحظة التوغّل السعودي، هدفه أن ينفض العسكر الأميركيون القابعون في المنامة يدهم من الدم الحرام المسفوك على بعد أمتار من القاعدة، وأن يبرّؤوا أنفسهم من التعدّيات المروّعة على حقوق الإنسان، وخصوصاً أن «البنتاغون» يحتاج إلى أن يُبقي على علاقة حسنة مع الجمهور المعارض، وأن لا يشار إليه كمشجّع على سفك الدم البحريني.
الحقيقة، أن موقف «البنتاغون» يحتاج إلى أن نشير إليه مرة أخرى، كي نفهم قدرة الكويت على مواجهة الضغوط القادمة من البيت الأبيض في شأن التطبيع، وكي نفهم قدرة قطر على شدّ علاقتها مع الولايات المتحدة، بعد تأييد ترامب لفرض الحصار عليها من قبل السعودية. لكنّي سبق أن عالجت بعض ذلك في مقالة «البحرين في عيون أميركا: حاملة طائرات عملاقة».
وفي ختام هذه القراءة السريعة، نلفت الانتباه إلى أن البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأميركية كادوا أن يفقدوا المبادرة بحرينياً، في لحظة 2011، بمجرّد أن انتصر «البنتاغون» للحلّ العسكري. وهذا ما أبقى التنديدات القادمة من الخارجية والبيت الأبيض أقرب إلى كلام، من دون فعل. بل يمكن القول إن الجهد الذي تبذله وزارة الخارجية، الداعي إلى التسوية والحوارات، يَظهر كأنه تبييض لموقف العنف الذي يؤيّده «البنتاغون».