“ليبانون ديبايت” – روني ألفا
سيِّدي القاضي. من حقِّنا كمواطنين عاديين الإطلاع على ما كشفَهُ التحقيقُ حول انفجارِ مرفأ بيروت. مأساةٌ عظيمةٌ كتلك التي ضرَبتنا تستحقُّ من جنابكم إفصاحاً. على الأقل الإفصاحُ عما حصلَ فِعلاً. أميركيونَ وفرنسيونَ وجنسياتَ أخرى نقّبتْ وأخذتْ عيناتٍ وجمعتْ أدلةً في موقعِ الإنفجار دون أن نعرفَ شيئاً. ولو تصريحاً أو تقريراً مقتضباً أو بياناً يشعرنا أن موتانا بعهدةِ قضاءٍ ساهرٍ وعادلٍ وحازمٍ وحاسم. خيطٌ واحِدٌ من خيوطِ ما حصلَ يبلسمُ جراحاً ويمدُّ المشردينَ من بيوتهم بأملٍ ورجاءٍ وثقةٍ بالدولة. لا شيءَ عدا البالوناتِ البيضاء التي أطلقها أهالي القتلى وسطَ غيابٍ كليٍ لأيِّ حضورٍ رسمي. الدولةُ تخافُ من مواطنيها سيدي القاضي. الناسُ يلتجئونَ إليكم. لا تُخيفوهُم ولا تخافوا منهم.
شهرانِ وأكثر على المأساة. كبارُ القومِ يُستَمَعُ الى أقوالهم. شهودٌ خمسُ نجومٍ يحتسونَ القهوةَ في ضيافتكم سيدي القاضي ويغادرون. سريةُ التحقيقِ طبعاً تحولُ دونَ تسرّبِ المعلومات. نظامٌ إداريٌ وسياسيٌ سيدي القاضي متفككٌ ومهترئٌ وفاسدٌ وموبوءٌ ومطيّفٌ حتى العظم لا يمكنُ أن يكونَ فيه كلُّ كبارِ القومِ من ضيوفكم أبرياء من دَمِ هذا الصِدّيق. أنتم أدرى. أنتم القاضي سيدي القاضي. أنظروا إلى السلسلة. السلسلةُ التي رثّتْ وصدأتْ وجنزَرَتْ مِن الرأسِ حتى أخمصِ القدمين. سياسيونَ وأمنيونَ هم جزءٌ لا يتجزأُ من السلسلة. يستحقونَ السلاسلَ سيدي القاضي وهم طلقاء. نظامٌ طائفيٌ يوفِّرُ لهم طوباويةً وبراءةً في مقابلِ الإقتصاصِ من موظفينَ وإداريينَ ذنبُهُم أنهم أُقحِموا ليكونوا جزءاً من السلسلة. ضابطٌ ومديرُ عام مرفأ من دون صلاحيات ومديرُ عام جمارك موقوفون الى جانب آخرين لأنَّ المطلوب كبشُ شَرارةٍ هنا وكبشُ انفجارٍ هناك. كبشٌ مسيحيٌ وكبشٌ مسلم. عفواً سيدي القاضي. هذا ما يهمسُ به الناس خِفيَةً حتى الآن. بَدِّدوا أوهامهم وصححوا أخطاءهم سيدي القاضي واقطعوا شكوكهم بيَقينِكُم. حتى ذلك الحين نشعرُ أننا في بلدِ المحميات. الفسادُ يغطي الفساد سيدي القاضي في لبنان.
سيدي القاضي.كارثةٌ بِحَجمِ إنفجارِ مرفأِ بيروت تطيحُ في بلدانِ العالمِ الحرّ بملوكٍ وأمراء وسلاطينَ ورؤساء ووزراء ونواب وأمنيين وتستدعي استنفاراً كاملاً لكل الدولة. ما حدثَ في بيروت يوازي تدميرُ بُرجَي التجارة العالمية في نيويورك. آخر همومِنا من يبقى في السلطة ومن يستقيل. أمامَ الموت تصبحُ السلطةُ تهمةً والتمسكُ بها جريمةٌ وغضُّ الطَّرفِ عن كشفِ ملابساتها تواطئ. أكملَتْ حياةُ السلطة كما لو أن الخامسَ من آب يومٌ عاديٌ سيدي القاضي. بوقاحةٍ قيلَ على لسانِ السلطة أن الإنفجارَ يكادُ يَكُونُ نعمةً أو فرصةً أو مناسبةً أو مخرجاً. مخرجٌ لمزيدٍ من موادِ التحنيطِ فوق جثةِ السلطةِ سيدي القاضي. كلُّ يومٍ يمرُّ دون أن ترووا ظمأَ النَّاسِ بمعلومةٍ، بواقعةٍ، بتوصيفٍ لما جرى، بأدلةٍ، بحقائقَ، بتحديدِ مسؤولياتٍ وبكشفِ المستور سيصبُّ في خانةِ الأيام الخَطِرة حيث سيفقدُ اللبنانيونَ آخرَ مصباحِ عدالةٍ يحملونه في غابةِ الدولة.
سيدي القاضي. أسرِعْ. أنتم آخِرُ بابٍ يُقرَعُ وآخِرُ ملاذٍ يُركَنُ اليه قبلَ الطوفان. لا حكومة جديدة ولا ثقة جديدة ولا مبادرة فرنسية متجددة ولا تلزيم إعمار المرفأ والعاصمة يمكن أن تكونَ ممراً للإستقرار دُونَ معرفةِ الحقيقةِ الكاملة. الإقتصاصُ من الصغار فيما الكبارُ يتنعمونَ في قصورهم الفخمة وسياراتهم الفارهة سيفجّر لبنان. نحن حضرة القاضي أمام إستحقاق وطني تاريخي اذا تُرجِمَ في الشارع سيكون حِراك ١٧ تشرين دعابة مقارنةً به. أغلبُ الظن سيدي القاضي أن بعضَ الموقوفين ملائكةٌ بالمقارنة مع بعض الشياطين الذين يتجوّلون بيننا. أسرِعْ سيدي القاضي. لبنان غالٍ عليكم بلا شك. لبنان يغلي أيضاً بلا شك سيدي القاضي.