“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
أسابيع قليلة فصلت بين تراجع رئاسة الجمهورية عن التفاهمات المبرمة مع الثنائي الشيعي حيال تمثيله في الحكومة بصفته السياسية المباشرة والمفترض أنها ثابتة، وبين “الانقلاب” على اتفاق الإطار حول مفاوضات ترسيم الحدود غير المباشرة مع العدو الاسرائيلي. هنا لم تعد تقاس المسألة بالمدة الزمنية إطلاقاً بل في وجود خلفيات سياسية أخرى وراء التبدل في المواقف.
ظنّت أوساط الثنائي الشيعي، أن إنتزاع رئيس الجمهورية أحد حقوق الثنائي المكتسبة في التمثيل داخل الحكومة مسألة خارجة عن السياق أو “نزوة” اريد منها تعبيد الطريق أمام محاولة السفير مصطفى أديب تشكيل حكومته وسرعان ما ستنتفي مع اضمحلال الغاية منها، إلا انه يتبين من خلال قراءة الاحداث اللاحقة أن ثمة إعادة تموضع صريحة يتولى تنفيذها العونيون وعلى ما يبدو تحت ضغط العقوبات الاميركية، ما ولد وللمرة الأولى أجواء من عدم الثقة والارتياح مع الحليف الشيعي.
عملياً، لم يستسغ حزب الله خطوة القصر الجمهوري ضم شخصيات تقنية إلى الوفد العسكري المكلف تولي مفاوضات ترسيم الحدود غير المباشرة التي تنطلق غداً برعاية أميركية. عندما قرّر القصر تعميم أسماء أعضاء الوفد عبر الاعلام أمس الأول، نُصح بضرورة وضع الحزب في صورة الأسماء التي وقع الاختيار عليها لكونها ضمّت وجوهاً مدنية ما يخالف التفاهم المبرم بين الجانبين، لكن القصر تجاهل كل ذلك ومضى في الخطوة غير مكترث لطبيعة “الفيتو الشيعي”.
قبل ذلك، كانت الاسماء قد وصلت إلى الضاحية الجنوبية، وفيها إشارة إلى وجود عضوين مدنيين هما رئيس هيئة قطاع البترول وسام شباط والخبير في القانون الدولي البحري نجيب مسيحي. اعتبر الحزب أن زرع هذه الاسماء ضمن الوفد تعد بمثابة “طعنة”، وخروجاً عن إتفاق شفهي مبرم بين الجانبين، وعن اللياقات التي تحكم العلاقة بينهما. فأبلغ رئاسة الجمهورية إستياءه الشديد في رسالة، وضمها بنداً يطلب فيه ايضاحات حيال ما حصل والعودة إلى جذور الاتفاق الأصلي، لكن رئاسة الجمهورية تجاهلت الرسالة وكل اعتراضات الحزب ومضت في تثبيت هيكلية الوفد وموعد المفاوضات عبر موقف لرئيس الجمهورية ميشال عون عشية بدء المفاوضات رسمياً أعلنه عقب لقائه الممثل الاممي في بيروت يان كوبيتش!
بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية، تعتبر أنها قدمت تنازلاً مبدئياً حين تراجعت عن قرار ضم المدير العام للرئاسة أنطوان شقير ومدير مكتب الوزير جبران باسيل هادي هاشم ولن تقدم على مزيد من التنازلات لـ”ضرورات التفاوض التقني”. التذرع بهذا السبب تحديداً أثار لدى حزب الله شكوكاً إضافية حيال الأهداف من وراء “الانقلاب” على الاتفاق. وإلا لماذا كل هذا التشدّد والاندفاع صوب زرع شخصيات سياسية ومدنية في وفد ذات طابع عسكري ومن خارج الاتفاق الاطار؟
إستياء حزب الله وصل إلى أرفع مستوى في هرم القيادة لديه. المسألة لم تعد قضية عادية لكونها متصلة بمفاوضات مع عدو يدفع لأن يعطيها طابعاً سياسياً يطمح من ورائه إلى “زرك المقاومة”، لذا يتحتم على الحزب إتخاذ موقف. بناء عليه، جرى فتح الخطوط مع عين التينة لتنسيق الخطوات المقبلة. في ظل هذا الجو، إختار “الثنائي الشيعي” مواجهة “الانقلاب على المبادئ” عبر مجموعة من الخيارات. الخطوة الاولى بالنسبة إلى الطرفين هي درس رفع الغطاء من جانبهما عن اتفاق الإطار. أمر من هذا القبيل سيجعل من المفاوضات مع العدو الاسرائيلي “غير ميثاقية” لكونها منزوعة الثقة من جانب مكون رئيسي. أمام هذا الواقع بات مصير المفاوضات مهدداً.
عين التينة ولغاية الساعة تلتزم الصمت، وفيما لو اختارت “بق البحصة”، فمن المؤكد أن الحزب ستطاله “طرطوشة”! مع ذلك، يؤكد زوّارها “غضب” رئيس مجلس النواب نبيه بري من السيناريو الذي جرى عبره “الانقلاب” على اتفاق الإطار الاساس، ورئيس المجلس يعتبر المسألة شخصية بحكم الدور الذي أداه للوصول إلى هذا الاتفاق، وبالتالي هو يدرس كافة الاحتمالات ومنها العودة عنه في حال جرى المضي قدماً في نفس الخيار.
هذا الواقع، بدأ يفصح عن ازمة ثقة تتولد على عتبة حليفين أساسيين ما قد يفتح الأبواب على مشكلة أكبر فيما لو تقرّر عدم إيجاد حل للمشكلة الراهنة، والسؤال هنا، هل يستاهل الإملاء الاميركي التفريط بعلاقة استراتيجية مع حزب أساسي؟
بالنسبة إلى حزب الله تؤكد مصادر مطلعة على موقفه لـ”ليبانون ديبايت” أن حل الازمة يكمن بداية في العودة إلى صلب الاتفاق وبعدها نناقش باقي التفاصيل، ونحن بأي حال من الاحوال لن نقبل بإدخال مدنيين إلى الوفد ولن نلزم أنفسنا بأي تغطية من أي نوع ما دام أن القضية أصبحت تجاوزاً للأصول والتفاهمات.
في المقابل، تنأى قيادة الجيش بنفسها عن الصراع الذي ولد على قارعة المفاوضات. في الأصل هي محكومة بالسقف السياسي الذي يمثله رئيس الجمهورية صاحب الصلاحية بتشكيل الوفد، تقول مصادر عسكرية لـ”ليبانون ديبايت” وتضيف أنها “رفعت لائحة أسماء إلى قصر بعبدا الذي اختارَ منها، وعليه بات دور الجيش محصوراً بشق تقني وليس ببت أسماء الوفد فهذه صلاحية الرئيس.
مع ذلك، يؤكد المصدر حاجة “الفريق المفاوض” لمساعدة تقنية من جانب مدني مختص حصراً وغير سياسي على الاكيد ويتم ذلك تحت إدارة الجيش من خلال رئيس الوفد المفاوض العميد الركن الطيار بسام ياسين الحريص على البعد التقني في التفاوض غير المباشر ولن يسمح بتاتاً في الخروج عن هذا الاطار، وهو ما أوصى به أيضاً قائد الجيش العماد جوزاف عود خلال لقائه مع أعضاء الوفد السبت الماضي.
الحالة الراهنة ولّدت سؤالاً أساسياً: هل نحن أمام حالة تكرار للجزء الاخير من عهد الرئيس ميشال سليمان الذي إتسم بالانقلاب على التفاهمات مع المقاومة؟ للبحث صلة…