الأخبار- يحيى دبوق
الواضح مما يرد من تل أبيب، أن واحدة من أدوات التفاوض التي سيعمد العدوّ إلى استخدامها – من ضمن أدواته التفاوضية الأخرى، وفي المقدمة الوسيط الأميركي المرتقب بداهة أن يتموضع الى جانبه – هو استحضار حزب الله لترهيب أعضاء الوفد اللبناني و«اتّهامهم» بالتبعيّة له أو تنفيذ أجندات يحدّدها هو، الأمر الذي يُلزم المفاوض اللبناني بالتيقّظ، وتوقّع مواجهة كل الفرضيات والضغوط التي ستكون مبنيّة على هذا «الاتهام» والمنطق الذي يقف خلفه.
إضافة الى هذه الأداة – الاتهام بالتبعيّة لحزب الله، لن تتوانى إسرائيل عن توصيف الوفد اللبناني، كأشخاص، أنهم مرهّبون من قبل حزب الله إن لم يتماشوا ويستسلموا للطروحات الإسرائيلية خلال جولات التفاوض. وفي الوقت نفسه، ستعمل تل أبيب بشكل مواز لـ«التفاوض المادي» في الناقورة، على التفاوض الافتراضي غير المباشر مع الجمهور اللبناني، وتظهير نفسها بأنّها الجانب الذي يركض نحو الحلول والتسويات لتحقيق ما أمكنها من مصلحة اللبنانيين الذين يتوقون الى التخلص من أزمتهم الاقتصادية عبر إيجاد حل للخلاف البحري مع إسرائيل.
والتفاوض الافتراضي واحد من أهم الأهداف الإسرائيلية الوسيطية، التي تأمل تل أبيب أن تحقق من خلالها مصلحة إسرائيل في اتجاهين اثنين:
إضعاف موقف الوفد اللبناني إن قرّر الثبات والتمسك بحق لبنان من دون أن يحيد عنه؛ وكذلك حشر فكرة عرقلة حزب الله للتفاوض وبالتبعية لعرقلة إنهاء الأزمة الاقتصادية في لبنان، في وعي الجمهور اللبناني. والهدفان متصلان.
وبدأت أمس أولى خطوات تل أبيب في مسار تطبيق هذه الاستراتيجية، عبر حديث «مصدر إسرائيلي رفيع» لإعلام العدوّ أمس (إذاعة «مكان» الناطقة بالعربية) ركّز على مطلبين: عرقلة حزب الله للتفاوض، وتعاطف إسرائيل مع اللبنانيين لإيجاد حل لأزمتهم الاقتصادية، إن ابتعدوا عن التطرف: «يقول المصدر الرفيع إن ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية بين البلدين سيعود بالفائدة أولاً على الشعب اللبناني الذي هو بأمسّ الحاجة الى موارد الغاز. ويأتي حديث المصدر قبل انطلاق المفاوضات بين الجانبين لترسيم الحدود الاقتصادية بيوم واحد».
المصدر، وهو مسؤول رفيع المستوى في وزارة الطاقة، أعرب عن أمله ألّا يحاول حزب الله إحباط هذه المفاوضات، مؤكداً أن «نجاحها سيسفر عن فوائد اقتصادية كبيرة للشعب اللبناني. وقال إن لبنان بحاجة ماسّة لتوفير الغاز الطبيعي للاستهلاك الداخلي، بخلاف إسرائيل التي تتوفر لديها حقول عديدة من الغاز».
وعن المفاوضات نفسها ووجهتها، ذكر المسؤول في وزارة الطاقة الإسرائيلية، و«بشكل لا يقبل التأويل»، كما ورد في تقرير لقناة «كان» العبرية، أن «المفاوضات مع الجانب اللبناني لن تتطرق إطلاقاً الى ترسيم الحدود البرية بين البلدين».
ضمن الاستراتيجية نفسها، وتحضيراً لمواجهة ثبات الوفد اللبناني وتوقّع تمسكه بحقوقه، جاءت الاتهامات الإسرائيلية المسبقة. وفقاً لحديث مسؤولين في وزارة الطاقة مع موقع «واللا»، «إنْ كانت نيّة الجانب اللبناني المجيء الى طاولة المفاوضات كي ينتصر على العدو الصهيوني (هكذا وردت في التقرير الإسرائيلي)، فلن تشهد المفاوضات أي تقدّم». تهديد المصادر الإسرائيلية لم يقف عند هذا الحد، بل تعدّاه إلى تذكير اللبنانيين بأنّ فشل المفاوضات يعني أنهم «في لبنان سيبقون في الوضع الذي هم فيه الآن من دون القدرة على تطوير حقول غازهم». أما «الجزرة» مقابل التهديد، فجاءت أيضاً على لسان المصادر نفسها: «إذا جاء الطرف الثاني بنهج إيجابي وبراغماتي، فسيجد نهجاً إيجابياً وبراغماتياً من الجانب الإسرائيلي». وأعقب الجزرة تهديد إضافي: «نأمل أن نصل الى حل في غضون أسابيع أو أشهر، وهو أفضل من أن نستمرّ بالتعثّر لعشر سنوات إضافية».
موقع «واللا» عن مصادر إسرائيليّة: هذه ليست عملية سلام ولا تطبيعاً
وفي ما يرتبط بأهداف المفاوضات المعلنة، أكدت مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى لموقع «واللا»، أن «الهدف هو حل الخلاف حول ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية بين الدولتين. وهذه ليست عملية سلام، وهي أيضاً ليست تطبيعاً. بل هي مفاوضات مع هدف محدد لها، وهو حل نزاع تقني واقتصادي بسيط يمنع تنمية موارد الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط». ووفقاً للمصادر نفسها، «الخلاف بين الطرفين ليس كبيراً، إذ إن محل الخلاف جغرافياً يصل في أقصاه الى 15 كيلومتراً، بينما يصل في أقصر مقطع فيه الى بضعة كيلومترات».
من الواضح أن الوفد الإسرائيلي يصل الى المفاوضات اليوم، متسلّحاً بتقديرٍ يكاد يكون اعتقاداً قطعياً لا ظنيّاً، بأن المفاوض اللبناني متلهّف لإيجاد حل ما مهما كان الثمن المقدّر أن يدفعه اللبنانيّون لـ«إسرائيل». وبناءً على ذلك، يمكن توقّع نتيجة جولة التفاوض الأولى، وكذلك ما سيليها من جولات لاحقة.