اندريه قصاص
بدأ الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري سلسلة مشاوارته السياسية، فألتقى على التوالي كلًا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وعرض معهما إمكانية الإلتزام بالمبادرة الفرنسية، التي تبقى الحل الوحيد المتاح أمام الجميع كبداية لا بدّ منها للخروج من “جهنم”، الذي يعيش فيه جميع اللبنانيين من دون إستثناء، قبل أن تُعلن رسميًا مراسم دفن هذا الوطن، الذي شاخ وأصبح عمره مئة سنة، ولا ينقص سوى أن يقال له “الله يرحمو”، على حدّ قول أحد الأصدقاء الذي غادر لبنان حديثًا.
القاسم المشترك بين الرؤساء عون وبري والحريري في اليوم الأول لإستشارات الأخير كانت المبادرة الفرنسية بكل مندرجاتها وتفاصيلها وحيثياتها، التي يجب أن تتبلور من خلال “حكومة المهمة”، بغض النظر عن شكلها وعمرها، لأن المهم يبقى في مهمتها المحدّدة بدقة وبشفافية مطلقة، وفق ما وافق عليه الأطراف السياسيون، الذين قابلهم الرئيس الفرنسي في قصر الصنوبر في زيارته الثانية، حيث كان توافق تام بين الجميع على ضرورة إنجاح المبادرة الفرنسية، والتي لها زمن محدّد لأنها غير مفتوحة إلى أفق غير محدود، إذ أن الفرنسيين أبدوا في الأونة الأخيرة حماسة فاترة بعض الشيء، على أثر إفشال مهمة السفير مصطفى أديب، ووضع العصي في دواليب تأليف حكومته.
وهذه العصي سيحاول الحريري تفاديها من خلال الوفد الذي سيبدأ جولته على أطراف قصر الصنوبر لمعرفة مدى ملاءمة حساب الحقل مع حساب البيدر، وذلك قبل أن يفشخ الفشخة الكبيرة، والتي تلزمه الذهاب بعيدًا في مراهنته على التجاوب مع المبادرة الفرنسية، التي سيبني عليها مداميك المرحلة المقبلة بكل ما فيها من مشاكل وتعقيدات لا تحتاج فقط إلى إكمال منعطفات هذه المبادرة، بل تحتاج إلى إعجوبة، بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ تفوق بقدرتها وفاعليتها الزمن المحدود.
وإذا كانت الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل بدت إلى حدّ ما إيجابية، وهذا ما نقله الحريري من أجواء لقائه عون وبري، فإن ما ينتظر الوفد “المستقبلي” قد يكون أقلّ تفاؤلًا، لأن الشروط التي ستضعها الأحزاب اللبنانية الرئيسية، بدءًا بـ”حزب الله”، مرورًا بتيار “المردة”، وصولًا إلى “القوات اللبنانية” فالحزب التقدمي الإشتراكي، فضلًا عن “التيار الوطني الحر”، وهي الأحزاب الممثلة في المجلس النيابي، والذي يُفترض بها أن تسمّي من تراه مناسبًا لتكليفه تأليف الحكومة، سواء أكان الرئيس الحريري أم غيره، وهي التي سمنح الحكومة التي ستشكّل الثقة.
لا شك في أن لكل من هذه الأحزاب أجندته الداخلية والخارجية، ولا شك في أن لكل منها شروطه ومطاليبه، وقد يكون البعض منها تعجيزيًا وغير متطابق مع أهداف الحريري العائد إلى حيث كان منذ ما يقارب السنة، خصوصًا أن هذا البعض لن يسمّيه، وقد لا يشارك في حكومة يترأسها سياسي كـ”القوات اللبنانية”، التي إنفخت الدّف بينها وبين الحريري، بعدما تفرّق “العشاق”، وكذلك بالنسبة إلى الحزب الإشتراكي، الذي قال رئيسه وليد جنبلاط إنه لن يسمّي الحريري في الإستشارات الملزمة، في حال لم يتمّ تأجيلها حتى تكتمل حلقة التواصل، التي يبدو أنها حتى تاريخه مفقودة.
لبنان24