كلير شكر-نداء الوطن
إنطلق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في مشاوراته الحكومية من قصر بعبدا حيث التقى رئيس الجمهورية ميشال عون، قبل أن يزور عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، على أن يوفد في التوازي من يمثله للقاء بقية الكتل النيابية. هذه المرّة، لم يكترث رئيس “تيار المستقبل” كثيراً لمتن الدستور ومندرجاته. مشاورات غير رسمية قبل التكليف والتأليف.
عنوانان أساسيان اختزلا حراكه الحكومي: مندرجات المبادرة الفرنسية الاصلاحية، وطبيعة حكومته التي حصرها بالاختصاصيين. أما غير ذلك، فنأى الحريري بنفسه عن الغوص مسبقاً في التفاصيل. فهو لا ينفي ولا يؤكد ما اذا كان سيتصرف كما فعل سلفه مصطفى أديب الذي امتنع عن فتح باب التشاور مع القوى السياسية، أم أّنّه تعلم من دروس التجربة السابقة، وقرر توسيع هامش التعاون مع القوى التي ستؤمن له غطاء الثقة النيابية.
هكذا، حرص على عدم رفع سقف نقاشاته الأولية مع رئيس الجمهورية بحيث اكتفى بالعموميات التي عاد وكررها أمام الاعلاميين من على منبر بعبدا. في مطلق الأحوال هو يعرف جيداً أنّ توقيع الرئاسة الأولى يمنح صاحبها هامش اللحظة الأخيرة ليقول ما عنده من ملاحظات على النسخة الموضوعة على طاولته.
عملياً، ثمة معياران أساسيان يحكمان نجاح أو فشل الحريري في محاولته الأخيرة: التفاهم مع الثنائي الشيعي وضمان توقيع رئيس الجمهورية على المسودة التي سيخرج بها في نهاية المطاف. هو يعلم جيداً مضامين وحيثيات الشروط التي وضعها كل من “حزب الله” وحركة “أمل” على مصطفى أديب، وبالتالي إنّ اقدامه على مغامرته هذه يفترض أنها أخذت في الاعتبار تلك الشروط أو أقله امكانية التفاوض حولها والتفاهم عليها… وإلا فإنه يحكم على مسعاه بالفشل السريع.
أكثر من ذلك، يذهب بعض الخبثاء الى حدّ التلميح بوجود ضوء أخضر من جانب الثنائي الشيعي التقطه الحريري للمضي قدماً في مبادرته، وهو الذي يعلم جيداً مكانته لدى الثنائي الشيعي الذي يعتبره مرشحه المفضل لرئاسة الحكومة. وبالتالي تصبح امكانية التفاهم معه غير صعبة، وقد يكون البحث جارياً عن اخراج لا يحرج الحريري ولا يكسر الثنائي الشيعي لا أكثر. أما التفاصيل فقابلة للنقاش.
طبعاً، الحريري لن يكون في وارد الكشف عن أي تقاطع حاصل بينه وبين الثنائي الشيعي. سيترك الأمور لأوانها. لم يعد من قماشة من يسلّمون أسرارهم لمن حولهم. وبالتالي، لن تكشف هذه القطبة الا في حال رأت حكومة الحريري النور.
تبقى المعضلة على الضفة العونية. حتى اللحظة يقول من يعرفون رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إنّ الأخير لم يتجاوز بعد “عقدة” عودة الحريري من دون سواه من السياسيين إلى واجهة السلطة. لم يهضم الفكرة وقد لا يبلعها أبداً. ولهذا اتسم بيان المجلس السياسي يوم السبت بشيء من الجدية والسلبية، فيما كان ينتظر أن يكون “التيار” أكثر انسجاماً مع نفسه بعد تأكيده مراراً وتكراراً حرصه على تسهيل ولادة الحكومة.
السؤال الأهم هو ما سيكون موقف رئيس الجمهورية في حال رفض باسيل النزول عن شجرة تصعيده؟ وفي حال اتسم موقف الرئاسة الأولى ببعض الليونة ربطاً بالظروف الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تحول دون تعطيل مشاورات التأليف كثيراً أسوة بالمرات السابقة، ما سيكون موقف الثنائي الشيعي وتحديداً “حزب الله” في حال قرر “التيار الوطني الحر” الجلوس الى طاولة مقاعد الاعتراض؟
يذهب بعض المواكبين إلى حدّ التلميح إلى أنّ الهوامش ضاقت أمام “حزب الله” ولم يعد بالإمكان التمادي في تغنيج الشريك المسيحي الى حدّ تعليق ولادة الحكومة الى حين تلبية كل مطالبه. الظروف لم تعد مشابهة والساحة باتت ضيقة أمام المناورات.
لكن هذه التساؤلات لا تحجب السيناريو المتشائم والذي يقول إنّ سقف الحريري من الشروط، لن يكون ما دون السقف الذي حدده أديب بدفع من رؤساء الحكومات السابقين، بشكل يعيد محاولات التأليف إلى عنق زجاجة الشروط والشروط المضادة، ويحول دون ولادة الحكومة، في مشهدية سبق لها أن تكررت أكثر من مرة… اسمها “عقدة” الحريري- باسيل.
ما يزيد من سوداوية المشهد، هي المؤشرات السلبية التي التقطها مطلعون على موقف الثنائي الشيعي: تهديد الحريري بأنّ محاولته هي الفرصة الأخيرة التي تسبق الانهيار، واصراره على تسمية وزراء حكومته ما يعني استبعاد قوى الثامن من آذار، بشكل يثبت بأنه ملتزم الأجندة الأميركية – السعودية ولكن بلغة فرنسية وبلهجة لبنانية.