الأخبار- علي دربج
لا يروّج دونالد ترامب لفوزه في الانتخابات الرئاسية، بقدر ما يروّج لفكرة عدم تقبّله النتيجة في حال لم تكن لصالحه. وإن كان ذلك يعني شيئاً، فهو أن الباب بات مفتوحاً على احتمالات كثيرة، قد يكون أحلاها مرّ، في حال فاز منافسه جو بايدن
قبل تسعة عشر عاماً، عندما حذّر محلّلو مكافحة الإرهاب من هجوم وشيك من قِبَل تنظيم «القاعدة»، لم يتمكّنوا من توقّع الكارثة إلّا يوم حدوثها في 11 أيلول/ سبتمبر. وهذا العام، إذا كان محلّلو الانتخابات على حق، فمن المحتمل جداً أن تظهر الأزمة في الفترة الفاصلة بين يوم الانتخابات وتاريخ أداء الرئيس المقبل لليمين، خصوصاً إذا لم يكن الفائز ترامب. يقول ريتشارد هايسن، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة كاليفورنيا: «يمكننا أن نشهد صراعاً مطوّلاً بعد الانتخابات، في المحاكم والشوارع، إذا كانت النتائج متقاربة». ويضيف أن «نوع الانهيار الانتخابي قد يكون أسوأ بكثير من قضية جورج بوش ضدّ آل غور عام 2000».
لا يترك سلوك ترامب ونيّاته المُعلنة أيّ مجال للافتراض أنه سيقبل حكم الجمهور، إذا كان التصويت ضدّه. ومن هذا المنطلق، كتبت المدّعية العامة الفدرالية السابقة، باربرا ماكويد، في مجلّة «ذي أتلانتك» في شباط / فبراير 2020: «لقد كان من المستحيل تصوّر أن يتحدّى الرئيس نتائج الانتخابات، أمّا الآن، إن لم يكن احتمالاً حقيقياً، فهو على الأقلّ شيء يمازح به أنصار ترامب».
فضلاً عمّا تقدّم، فإن قائمة الشخصيات المؤمنة بعدم التنازل والتسليم بالهزيمة، بسهولة، تطول؛ فقد غرّد حاكم أركنساس السابق، مايك هوكابي، قائلاً إن «الرئيس ترامب سيكون مؤهّلاً لولاية ثانية، بسبب المحاولات غير القانونية التي قام بها الديموقراطيون ووسائل الإعلام، وآخرون ممّن يحاولون إطاحته». وفي أيار / مايو، قال الزعيم الديني، جيري فالويل جونيور، في تغريدة على موقع «تويتر»: «أنا الآن أؤيّد التعويضات»، وذلك في إشارة واضحة إلى التحقيق الذي تولّاه المستشار الخاص، روبرت مولر، في قضية التدخّل الروسي في الانتخابات. وأضاف: «ينبغي أن تُضاف سنتان إلى ولاية ترامب الأولى، كتعويض عن الوقت الذي سرقه هذا الانقلاب الفاسد». اللافت أن ترامب نفسه أعاد تغريد منشور فالويل. وما يجب التوقّف عنده، أيضاً، هو تأكيد المحامي السابق للرئيس، مايكل كوهين، أن «ترامب لن يغادر». ففي شهادته أمام الكونغرس، قبل التوجّه إلى السجن، قال كوهين: «بالنظر إلى خبرتي في العمل مع السيد ترامب، أخشى أنه إذا خسر الانتخابات، فلن يكون هناك انتقال سلمي للسلطة».
لكن أنصار ترامب ليسوا الوحيدين الذين يفكّرون بطريقة غير دستورية، وبصوت عالٍ؛ إذ سُئل ترامب، مرّة، عمّا إذا كان سيحترم نتائج الانتخابات، فترك خياراته مفتوحة. وأجاب بالقول: «سأخبرك في حينها. سأبقيك في حالة تشويق. حسناً؟». وفي مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» في حزيران/ يونيو الماضي، قال ترامب: «يجب أن أرى، لن أقول نعم فقط. لن أقول لا». أكثر من ذلك، أخبر ترامب حشداً من الناس في بنسلفانيا أنه سيترك منصبه في «خمس سنوات، وتسع سنوات، و13 عاماً، و17 عاماً، و21 عاماً، و25 عاماً، و29 عاماً». في الواقع، فإن ترامب، بعد فوزه في المجمّع الانتخابي في عام 2016، رفض الأرقام المعتمدة التي أظهرت أنه خسر في التصويت الشعبي، مدّعياً أن ما لا يقلّ عن ثلاثة ملايين مهاجر غير شرعي أدلوا بأصوات مزوّرة لصالح هيلاري كلينتون.
في هذه الأثناء، تحدّثت مجلّة «ذي أتلانتيك» عن أن جزءاً من خطّة ترامب، التي تقضي بالمطالبة بالفوز حتى لو خسر في الانتخابات، هو التشكيك في النتائج، وإقناع المجالس التشريعية في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون بإعادة تخصيص أصواتهم الانتخابية له. ووفقاً للمقال، فقد أقرّ ثلاثة قادة جمهوريين في ولاية بنسلفانيا بأن حملة الرئيس ناقشت هذا الأمر معهم. المثير للاهتمام، هو أن المستشار القانوني لترامب أكّد الأمر، كاشفاً أن المجالس التشريعية للولاية ستسارع إلى تنفيذ أوامر الرئيس.
الأسوأ من كلّ ما تقدّم، ليس أن ترامب قد يرفض نتيجة الانتخابات، بل أنه قد يستخدم سلطته لمنع التوصّل إلى نتيجة حاسمة ضدّه، وفقاً لـ«ذي أتلانتك». وإذا تخلّى ترامب عن ضبط النفس، ولَعِب حلفاؤه الجمهوريون الأدوار التي كلّفهم بها، فقد يعيق ذلك ظهور انتصار لا لبس فيه لبايدن، من الناحية القانونية، إن كان في المجمّع الانتخابي أو في الكونغرس. وما يساعد في هذا الأمر، هو أن الغموض في الدستور يجعل من الممكن تمديد النزاع حتى يوم التنصيب، الأمر الذي من شأنه أن يوصل البلاد إلى الهاوية.
ثمّة اقتناع تكوّن لدى الكثير من السياسيين الأميركيين، وقادة الرأي العام، بأن ترامب قد يفوز أو يخسر، لكنه لن يتنازل أبداً. هو نفسه يريد أن يشيع اعتقاداً بأن باستطاعته التحكّم في نتيجة الانتخابات، وأن القوانين لم تعد مهمّة، لكونه قادراً على تحطيمها وإعلان نفسه الفائز. هكذا، يتظاهر بأنه جبّار، ويقوى على كلّ شيء، وكلّ ما عليه فعله هو قول الكلمة الفصل، ليقتنع الجمهور.