الأخبار- نقولا ناصيف
حتى الساعات الثماني والأربعين التي تسبق انعقاد جلسة افتتاح المفاوضات غير المباشرة اللبنانية – الإسرائيلية في الناقورة غداً الأربعاء، ثمّة اتفاق على ما سيحمله الوفد اللبناني قبل الاتفاق على الوفد نفسه
بإعلان رئاسة الجمهورية أمس أعضاء الوفد اللبناني الى مفاوضات ترسيم الحدود اللبنانية – الإسرائيلية غير المباشرة في الناقورة، ويضمّ نائب رئيس الأركان للعمليات العميد بسام ياسين رئيساً له والعقيد البحري مازن بصبوص والخبير في نزاعات الحدود بين الدول المقيم في جنيف الدكتور نجيب مسيحي، إلى عضو هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط، اندلع سجال دستوري في التوقيت الخاطئ على أبواب استحقاق خطير كهذا، افتعلته رئاسة مجلس الوزراء. أقرب ما يكون الى التلهّي منه الحرص على صلاحيّات دستوريّة.
على طرف نقيض، تتصرّف قيادة الجيش بجدية أفضل، كأنّها المعنيّة الوحيدة. ما يعنيها في الوفد المفاوض الأسماء الثلاثة الأُوَل. رابعهم لا مغزى لوجوده ولا مكان لاختصاصه في مفاوضات ترسيم حدود، لا مفاوضات على النفط. الثلاثة الأُوَل، في حسبان القيادة، لا يُستغنى عنهم وتفضّل اقتصار الوفد المفاوض عليهم، كونهم الأوسع خبرة في الملف، والمعنيين المباشرين به غير المنتمين الى أي إدارة تشي بحضور سياسي، في معزل عمّن يضم الوفد الإسرائيلي وعدده.
ما سيكون الوفد اللبناني مهتماً به، أنه تفاوض عسكري تقني بحت، ليس إلا. مع ذلك، ليس واضحاً تماماً بعد حتى الآن الترتيبات النهائية لانعقاد جلسة الافتتاح غداً الأربعاء. أمس عاد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش الى بيروت، وينتظر اجتماعه في الساعات التالية برئيس الجمهورية ميشال عون لإخطاره بلائحتها. المرجح اجتماع الوفود الأربعة في غرفة واحدة في الناقورة دونما التخاطب المباشر. إلا أن محاذير جائحة الكورونا وتدابير التباعد والوقاية قد تفترض إجراءات مختلفة لا تزال غامضة.
في الاجتماع الذي عقده قائد الجيش العماد جوزف عون مع الثلاثي المفاوض المعني السبت، حدّد لهم توجيهاً رئيسياً هو أن يطالب لبنان بالحد الأقصى. من النادر صدور بيان عن قيادة الجيش، كالذي صدر بعد ذلك الاجتماع، بمثل إفصاحها المقتضب عن الحدّ الأقصى الذي سيفاوض عليه لبنان في ترسيم الحدود البحرية. إلا أنه عكس إرادة توليها هي، ومن خلالها رئيس الجمهورية، إدارة هذا الملف في مراحله الجديدة، وفي الوقت نفسه التمسّك بحجج قانونية وتقنية صلبة في تحديد الخط الذي يحفظ المصالح اللبنانية والثروات في البحر.
لقيادة الجيش حد أقصى جديد لخط ترسيم قديم، وضعه العقيد مازن بصبوص ينطلق من رأس الناقورة بدلاً من نقطة B1، يمنح لبنان 1350 كيلومتراً مربعاً من مياهه انطلاقاً من النقطة 23 نزولاً إليه. نجم هذا الخط عن أطروحة لدورة أركان أجراها بصبوص في لبنان عام 2012 تناولت ترسيم الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، استند فيها الى قوانين البحار والمعايير الدولية وتجارب الدول وترسيم الحدود البحرية في ما بينها والمفاوضات التي أجرتها. اكتشف أن الحقوق اللبنانية لا تقتصر على 860 كيلومتراً مربعاً ما بين النقطة 1، وهي الخط الإسرائيلي، والنقطة 23 وهي الخط اللبناني، بل تمتد جنوباً الى مسافات أكبر في البحر قادته الى النقطة الجديدة التي لا تأخذ في الاعتبار صخرة تخيلِت التي هي أقرب الى نتوء صخري، التي تعدّها «إسرائيل» جزيرة مع أنّ هذه أصغر من صخرة الروشة حتى. قفز الخط الجديد، الذي أهمل وجود الصخرة هذه وتجاهلها، عن الخطين الإسرائيلي واللبناني الصادر به مرسوم في مجلس الوزراء برقم 6433 في تشرين الأول 2011، وكذلك عن خط الموفد الأميركي السابق فيديريك هوف، كي يرسم المساحات الواسعة كحقوق لبنان في مياهه تبلغ 468 كيلومتراً مربعاً شمال خط هوف، و392 كيلومتراً مربعاً جنوبه. بعد سنتين عام 2014، عندما تولّى الوزير جبران باسيل حقيبة الخارجية، راسل قيادة الجيش طالباً نسخة من الأطروحة تلك، واجتمع ببصبوص يشرح له وجهة نظره.
تقاطع الخط الرابع الذي أعدّه بصبوص مع آخر رسمه، على نحو منفصل، المحامي الدولي والخبير الدكتور نجيب مسيحي يتطابق الى حد بعيد بالآخر بتفاوت قليل الأهمية. كانا قد التقيا للمرة الأولى في مؤتمر دولي في جنيف، فتبادلا الأفكار. وسرعان ما تعاونا مع تبنّي قيادة الجيش الخط الجديد، وتولّى مسيحي تعزيزه بالحجج القانونيّة الصلبة على أنه الخط الطبيعي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان و«إسرائيل». وهو ما عناه قائد الجيش في اجتماع السبت. كانت «إسرائيل» قد رسمت النقطة 1 مع قبرص، وسجّلت وثائقها في الأمم المتحدة بناءً على بضعة أخطاء ارتكبها لبنان عندما فاوض الجزيرة، واتفق معها على النقطة 23 على أنها موقّتة بينما عدّتها قبرص دائمة، ثمّ ألحق مجلس الوزراء في خطأ جسيم ثان تالٍ إصدار النقطة 23 بمرسوم نص في مادته الثالثة على الإجازة للبنان إعادة النظر في الترسيم في حال توافر وسائل جديدة لتحديد الحدود البحرية استناداً الى القوانين الدولية. آخذاً بهذه المادة، أعاد لبنان النظر بترسيمه بأن هبط من النقطة 23 الى الخط الجديد.
ما أدلت به قيادة الجيش بدا كأنها تضع سلفاً على طاولة التفاوض أوراقها المكشوفة، وتؤكد تمسّكها بالخط الجديد الرابع، وتحدّد النقطة التي ينطلق منها المفاوض اللبناني على أنها حقوق متينة، ليست برسم التساهل بها أو المقايضة عليها، ولا تأخذ في الاعتبار أي جزر أو صخور في الأراضي المحتلة.
إلا أن المفاعيل الأولى للموقف اللبناني حيال الخط الرابع، ومطالبته بـ 1350 كيلومتراً مربعاً، تعني – ما إن يصبح على طاولة التفاوض – وقف التنقيب في حقلَي كاريش ولافيتان الإسرائيليين في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان و«إسرائيل»، وهو ما ترعاه القوانين الدولية، وخصوصاً أن لبنان في ضوء الخط الجديد يعتبر هذا التنقيب داخل مياهه.
لن تكون المفاوضات بالسهولة المتوقعة بين بلدين عدوّين، يحتاج كل منهما إليها من أجل مباشرة تنقيبه عن نفطه وغازه. من دون اتفاقهما، لا شركة أجنبية جاهزة لنصب منصّتها في المناطق البحرية المتنازع عليها. كلاهما يعتبرها في مياهه هو، الأمر الذي يربط مصير البلوك 72 الإسرائيلي بالبلوك 8 اللبناني، قبالة بعضهما البعض. صعوبة المسار الذي ستسلكه المفاوضات، بدءاً من الأربعاء، أن جلسة الافتتاح ستشهد إعلان الوفد اللبناني، في كلمته، أنه يفاوض تقنياً وعسكرياً فحسب في سبيل حل عادل ومحقّ، ويضع على الطاولة الخط الجديد. في المقابل، يضع المفاوض الإسرائيلي خطّ النقطة 1 على الطاولة.
ما يبدو واضحاً حتى الآن، أن لبنان سيدفع نزولاً الى الخط الجديد، بينما «إسرائيل» ستدفع صعوداً الى النقطة 1.