الوقت- لم تنل الجامعة العربية يوماً رضى الشعوب العربية في جميع مواقفها التي اتخذتها منذ حرب العراق وما قبلها وحتى يومنا هذا، وبما أن أغلبية الأنظمة العربية لا تعير أهمية لصوت الشعب، كانت اجتماعات الجامعة العربية تتم بشكل دوري ويتم التقاط الصور للزعماء وتوزيع الابتسامات هنا وهناك وصرف مبالغ طائلة على مراسم الاستقبال وأغلبية الشعوب تبحث عن لقمة طعام تسد رمقها بها. بكل الأحوال الجامعة وفي أفضل حالاتها تندد بقرار ما أو تستنكره لكنها لم تأت بحلول حتى الآن، وهذا الأمر بطبيعة الحال يفقدها مصداقيتها ويُنهي عملها رويداً رويداً، وقد انفضح دور الجامعة العربية بشكل واضح وشفاف عندما بدأت أمريكا تعمل على تصفية القضية الفلسطينية بشكل واضح، واستطاعت واشنطن من خلال هذا الأسلوب ان تخبر الجميع مدى مصداقية الدول العربية في تسويقها لحماية القضية الفلسطينية والدفاع عنها، لننصدم جميعاً بهرولة بعض الدول نحو التطبيع وإعلان ذلك صراحةً.
التطبيع الذي قادته الإمارات وتبعتها به البحرين وربما ستلحق بهم دول أخرى، أثر بشكل مباشر على آلية الجامعة العربية، وخاصة أن الجامعة تم تأسيسها للدفاع عن قضايا الامة العربية، وكانت القضية المركزية للجامعة العربية هي “القضية الفلسطينية” وبالتالي عندما تتآمر عدد من الدول العربية على القضية الفلسطينية، ولا تتمكن الجامعة العربية بكل دولها من اصدار أي تنديد لما فعلته الامارات والبحرين من تطبيع مع العدو الصهيوني والضغط لمنع إصدار اي قرار من الجامعة العربية ورفض الاعلان عن اجتماع طارئ، هذا يعني أنه لم يبق للجامعة العربية اي دور يذكر، وطبيعي جداً أن تعتذر فلسطين عن رئاسة الجامعة العربية وتتبعها 5 دول في رفض هذه الرئاسة.
خير من وصف هذه الدورة هو وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، عندما قال إن هذه “الدورة مشؤومة” وعلل تخلي فلسطين عن رئاسة الجامعة، بسبب الاتفاقيات التي عقدتها الإمارات والبحرين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والفشل الوزاري العربي في إدانة خروجهما عن الإجماع العربي.
بالحقيقة إن الجامعة العربية أدارت ظهرها لما حدث، وكان آخر المعتذرين عن رئاسة الجامعة ليبيا، لتقتفي بذلك أثر فلسطين ودول عربية اتخذت قراراً مماثلا على خلفية موقف الجامعة من تطبيع كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل. وقال المتحدث باسم الخارجية الليبية محمد القبلاوي الثلاثاء: إن مندوب ليبيا بالجامعة العربية صالح الشماخي أبلغ الأمانة العامة باعتذار ليبيا عن رئاسة الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية. وأضاف القبلاوي إن ليبيا تتطلع لرئاسة مجلس الجامعة في ظروف أفضل، وتتمسك بحقها في الرئاسة وفقا للنظام الداخلي ووفق الترتيب المعمول به.
وبعد أن تخلت فلسطين عن رئاسة الجامعة بعدة أيام، اعتذرت دولة قطر عن تسلّم الدورة الحالية لجامعة الدول العربية عوضا عن السلطة الفلسطينية، وفق رسالة وجهتها المندوبية العامة القطرية لدى الجامعة العربية. كما امتنعت الكويت ولبنان وجزر القمر عن تولي الرئاسة الدورية.
وسبق لليمن، أن اعتذر في 17 تشرين الأول 2016 عن استضافة وترؤس القمة الـ28 لجامعة الدول العربية بدعوى سوء الأوضاع الميدانية والسياسية فيها، وانعقدت في الأردن وفقاً لأحقيتها بذلك وفق الأحرف الأبجدية.
كما اعتذر المغرب في 19 شباط 2016 عن عدم استضافة القمة العربية، التي كانت مقررة خلال نيسان من ذات العام بمدينة مراكش.وقالت وزارة الخارجية المغربية إن القرار “تم اتخاذه بناء على المشاورات التي تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية الشقيقة”.
وأضافت أنه “نظرا للتحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم (في حينه) فإن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حدّ ذاتها أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي”.
حتى الآن 8 دول أعلنت بشكل شبه رسمي “موت الجامعة العربية” وعدم فعاليتها، وخاصة أن الجامعة نفسها طردت سوريا “الدولة المؤسسة للجامعة” ولم تفعل شيئاً حيال ما يحصل في ليبيا وسوريا واليمن ولبنان والعراق وحصار قطر، وكل ما فعلته هو “التجاهل” عن هذه القضايا، وبالتالي السؤال اليوم، ما نفع هذه الجامعة ولماذا هي موجودة وما هو الدور الذي تؤديه ولماذا يتم صرف هذه المبالغ عليها؟.
يمكن القول صراحةً إن الجامعة العربية بحكم المنتهية الصلاحية، في ظل انعدام الثقة بها من قبل الشعوب العربية، والخلافات الدائرة بين أعضائها، وعدم تلبية أي مطلب من مطالب الأمة العربية والاسلامية، والانصياع للسياسة الأمريكية – الاسرائيلية وإبعاد كل من لا يمشي مع هذا التيار الذي يمهد لشرق اوسط جديد، تتمتع فيه اسرائيل بمكانة اقليمية ودولية على حساب الشعوب العربية وبتآمر من بعض الأنظمة العربية التي سمحت للصهاينة بالتطاول على أبناء الامة العربية ونهب خيراتهم وسرقة اراضيهم وتدمير حياتهم.
ربما نشهد في المرحلة المقبلة انقسامات واضحة بين الدول العربية، بين من يدافع عن استقلالية القرار العربي وسيدفع الثمن غاليا من قبل الصهاينة والأمريكان وبين من يختبأ تحت العباءة الأمريكية ويساهم في تمرير مشاريعها الصهيونية في المنطقة.
في الختام؛ يشير ميثاق الجامعة العربية إلى أنها تسعى لتوثيق الصلات بين الدول العربية، وصيانة استقلالها، والمحافظة على أمن المنطقة العربية وسلامتها في مختلف المجالات، غير أن الواقع الفعلي على الأرض يجد أنها باتت ساحة للصراع والتعبير عن إرادات سياسية متباينة وتصفية الخلافات العربية-العربية، بانتظار وجود ما يصفه البعض بإرادة سياسية للإصلاح تخرج بها من دائرة المصالح الضيقة إلى آفاق التعاون في مختلف المجالات.