الوقت- في انتكاسة كبيرة للسعوديّة وجهودها الرامية لإخفاء الجرائم التي يرتكبها حكامها، دعا البرلمان الأوروبيّ إلى تخفيض مستوى التمثيل في قمة مجموعة الـ 20 الاقتصاديّة، التي تستضيفها الرياض أواخر تشرين الثاني المقبل، بسبب “انتهاكات حقوق الإنسان”، وأوضح البرلمان في بيان للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، أنّ الهدف هو تجنب إضفاء الشرعيّة على إفلات السعوديّة من العقاب بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، والاعتقالات غير القانونيّة والتعسفيّة في البلاد.
صفعة للسعوديّة
عقب الحملة العالميّة التي قامت بها منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، والتي تتخذ من مدينة نيويورك الأمريكيّة مقراً لها، قبل أسبوع، لمواجهة محاولات الحكومة السعوديّة لتلميع سجلها “المُشين” في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة، طالب البرلمان الأوروبيّ في رسالة موجهة إلى كل من رئيس المجلس الأوروبيّ، شارل ميشال، ورئيسة المفوضيّة الأوروبيّة، أورسولا فون دير لاين، بوضع حقوق الإنسان في صُلب كافة مناقشات “مجموعة الـ 20” الاقتصاديّة.
وحثت الرسالة على اغتنام فرصة القمة الدوليّة، للمطالبة بالإفراج عن كافة سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية، وبمحاسبة حقيقيّة للضالعين في جريمة تقطيع الصحفيّ السعوديّ جمال خاشقجي، أواخر 2018، داخل قنصليّة بلاده في إسطنبول، فيما جرى اعتماد توصية البرلمان الأوروبيّ بمناسبة مرور الذكرى الثانيّة على اغتياله، وقد اتهم مسؤولون أمريكيون أتراك، وليّ العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، بالوقوف خلف تلك الجريمة.
كذلك، تناول البرلمان الأوروبيّ مسألة “المصير المريع” للمهاجرين الإثيوبيين والناشطين والمدونين السعوديين المحتجزين في سجون النظام السعوديّ، إضافة إلى مسألة “الاحتجاز التعسفيّ” لأفراد من العائلة الحاكمة، بعد قيام سلطات بن سلمان بتنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، والمنافسين من العائلة الحاكمة.
وفي هذا الصدد، انتقدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، بشكل لاذع في وقت سابق، المحاكمة السعوديّة في قضيّة مقتل الصحافيّ جمال خاشقجي، وشدّدت على ضرورة مقاضاة المسؤولين عن مقتله ووجوب صدور أحكام تتناسب مع حجم الجريمة، وذلك في ردٍ على الأحكام التي أصدرتها السعودية حول تلك القضيّة، معتبرةً أنّها تفتقر للشفافية، وأنّ القضية شابها خلل في تحديد المسؤولين الحقيقيين عن الجريمة.
إضافة إلى ذلك، أشارت مقررة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الإعدام خارج القضاء، أغنيس كالامار، إلى أنّ الأحكام الصادرة عن النظام السعوديّ في سجن 5 مغتالين مرتزقة مدة 20 عاماً، استثنت مسؤولين سعوديين بارزين، رغم وقوفهم وراء إعدام خاشقجي، كما أكّدت أنّه لم يتم التطرق إلى اسم وليّ العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، في إشارة واضحة عن مسؤوليته الأولى عن جريمة الاغتيال.
كمّ الأفواه
واضحة جاءت رسالة البرلمان الأوروبيّ، للسعودية التي تملك “تاريخاً طويلاً” من أساليب كم الأفواه، وإسكات الأصوات، وعلى ذلك من غير المعقول أن يتم منح الشرعيّة لنظام يرتكب انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان، عبر السماح له باستضافة واحدة من أبرز القمم العالميّة.
وفي الوقت التي وقفت فيه السعوديّة عاجزة عن الرد على الرسالة السياسيّة الشديدة اللهجة للبرلمان الأوروبيّ، من المؤكّد أنّ تقليص الحضور الأوروبيّ في القمة سيتسبب بمشكلات كبيرة للنظام السعوديّ بدءاً من الاحراج أمام العالم، ومروراً بإلقاء الضوء على جرائم حكام آل سعود، وليس آخراً، عن زج قضيّة المعتقلين وحقوق الإنسان في السعوديّة ضمن قضايا القمة الدوليّة.
وعلى هذا الأساس، فشل أبرز حدث للدبلوماسيّة السعودية قبل أن يبدأ، حيث كانت المساعي السعودية تنصب على عقد القمة في الرياض، بحضور زعماء العالم، لكن ظروف تفشي فيروس “كورونا” المستجد حالت دون ذلك، ما دفع المملكة إلى الاقتصار على تنظيم القمة عبر تقنية الفيديو، وهو ما منع محمد بن سلمان من عرض مشاريعه التحديثية مباشرة على المشاركين، لحرف الأنظار عن سجله الدمويّ.
ومن الجدير بالذكر، أنّ مملكة آل سعود تترأس مجموعة الـ20 هذا العام، تحت شعار “اغتنام فرص القرن الـ21 للجميع”، وتعقد هذه المجموعة سنويّاً، قمة اقتصاديّة دوليّة تستضيفها إحدى دول المجموعة المكونة من 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبيّ.
في الختام، فشل جديد يضاف إلى استراتيجيات ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان، الهادفة لتلميع انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، والتغطيّة على الصورة الحقيقيّة التي طبعها في الأذهان الدوليّة، من خلال خلق “صورة مختلفة” للمملكة على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح الكبيرة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم.