اللواء
جوهر الموضوع، في ما خصَّ الوضع في لبنان: هل حانت اللحظة الإقليمية – الدولية لوقف الإنهيار في لبنان، والحؤول، وفقاً لذلك، دون وضع هذاالبلد على قارعة الزوال، وهو الخطر الذي في ضوئه، أعلنت فرنسا، بلسان وزير خارجيتها جان إيف لودريان، أن رئيسها إيمانويل ماكرون، طرح مبادرته التي لاقت حول الطاولة، التي جمعته بممثلي الكتل البرلمانية، وتياراتها، ما يشبه الاجماع، او الإجماع، بما في ذلك موافقة «حزب الله»، بتمثيله الشيعي، ووزنه السياسي، وقوته العسكرية والحربية؟
وبصرف النظر عن دقة الإجابة، أو صحة المقاربة، في معرض الجواب، فإن المتغيرات، التي لا خلاف عليها، أن مناخاً من «الإنفراج الجزئي»، بدأ يتشكل في الفضاء اللبناني، من زاوية أن فرط بلد مثل لبنان، بكل ما له وما عليه، ليس حدثاً عادياً، بل من شأنه أن يهزّ كيانات كبيرة، ويؤسس لإعادة تركيب أوسع تتعلق، ليس فقط بالشرق الأدنى، وحساباته الاقليمية، والدولية، بل ربما الى عموم الشرق الأوسط، وتخومه الجغرافية عند نقاط التقاطعات الكبرى في آسيا البعيدة على تخوم الصين وروسيا الاتحادية، فضلاً عن أفريقيا، ومصالح دول أوروبا الإستعمارية، الغربية، كفرنسا وبريطانيا، وألمانيا وسواها..
وبانتظار جلاء أكثر للصورة، وعدم الإقتصار، على بدء الجولة الأولى من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، من زاوية الخط الأزرق ونقاطه الثابتة والخلافية، فإن اندفاعة الرئيس سعد الحريري، كرئيس لتيار «المستقبل» وكتلته النيابية الى الواجهة، مجدداً، بعد انكفاء «قسري»، كانت انتفاضة 17 ت1 الماضي، غطاءه المعلن، غداة تجربة سياسية بالغة بالقسوة مع التيار الوطني الحر، او الشريك المسيحي في السلطة الائتلافية، بعد الطائف، عبر «التسوية الرئاسية»، التي أوصلت العماد ميشال عون الى الرئاسة الأولى، وأخرجت لاحقاً الحريري من رئاسة الحكومة، على نحو دراماتيكي، بدا الخلل فيه، سيّد الحصيلة غير المفرحة، لتيار «المستقبل» وقياداته، كوادره وأنصاره وحلفائه.. من شأنها (أي الاندفاعة) ان تنهي حقبة من «السلطة الأحادية» الفاشلة، وتعيد الاعتبار لحقبة «الثلث الأخير» من ولاية رئيس الجمهورية، والتي أيّاً كانت نهايتها أو بدايتها، فإنها ستحمل مؤشراً واضحاً على مستقبل السلطة السياسية في البلد، فضلاً عن مصيره..
وإذا كان من المبكر الحديث عن حزمة تفاهمات عربية – إقليمية – دولية، تعيد إنتاج الإستقرار اللبناني، بعد السنوات الأربع الماضية، وما سبقها من انهيارات، طرحت المصير الوطني برمته أمام سابقة البقاء أو الفناء.. فإن بواكير هذه الحزمة، آخذة في الظهور والتمركز، مما يعني ان 17 ت1 (2020)، سيكون مغايراً لما سبقه، ولما سيأتي بعده، وبالتأكيد (خطا الحريري الإبن، وهو يشهد تعويماً لنهجه، داخل البيئة الاسلامية، فهو الأقوى بين رؤساء الحكومات السابقين، وصاحب الكلمة الطولى، وهو الأكثر قبولاً لدى الأليزيه، حيث ظهر في الحوار التلفزيوني مساء الخميس الماضي، وكأنه المرشح الأول والوحيد للمبادرة الفرنسية لتولي رئاسة الحكومة، من أجل أن تكون «حكومة المهمة» مضمونة النتائج التنفيذية، لدى تسلمها زمام السلطة في البلد، فضلاً عن تعويم عربي، متجدّد، سواء لدى دول الخليج، او دول صديقة أخرى في الإقليم..
نتائج عدة، ترتبت على عودة الحريري، رئيس الكتلة، ورئيس تيار «المستقبل»، ورئيس مجالس الوزراء لسنوات عدة، الى المسرح، كأحد أبرز اللاعبين:
1 – فهو لم ينتظر ان تسميه الكتل النيابية، سواء كتل «حليب العصفور» أو «نزل السرور»، فهو سمَّى نفسه، كمرشح ماكرون، الأول الى رئاسة الحكومة..
2 – ان الحريري، باستباق الإستشارات الملزمة، أحرج الكتل، التي باتت عليها، إمَّا ان تسميه أو لا.. ولكن اختصاراً للطريقة السابقة، قرر الرجل الخطوة اللاحقة، بخطوة سابقة!
3 – وهذه الخطوة، تقضي بإجراء مشاورات نيابية – سياسية، قبل موعد الاستشارات الملزمة، ويترتب على ذلك، عودة الرجل الى المعترك، أو «المخيَّم» (معسكر السياسة الرسمية) «على ضوء» كما يقال، فلا يضطر الى المغالبة، أو تدوير الزوايا، أو المهادنة، أو تقديم التنازلات من نوع «شرب السم» أو غيره..
4 – وكأن الحريري، المتغيّر بعد 17 ت1 (2020)، يقول لخصومه: في التيار الوطني الحر، والثنائي الشيعي (الذي يفضل أركانه تسمية أخرى، هي الثنائي الوطني!): تريدون حكومة، فهذه شروطي لتشكيلها، وهذه مهمتها، وهذه الفترة الزمنية لها إلخ…).
5 – في المفاوضات هذه، يكون الرجل، الذي لا يمانع من العودة، استكشف ما يمكن استشكافه: ناور، واطلع على مناورات الخصوم: المقبول وغير المقبول منهم.. ثم عاد الى نفسه، والى داعميه، ليبحث في الأمر، ويقرر: القبول أو القبول على مضض. أو إلخ..
6 – في المشهد هذا، قبل الخميس المقبل، لن يكون أحد في الواجهة، غير الرئيس الحريري، المرشح، والممثل الأقوى للسنَّة في لبنان.
7 – في اللقاء مع رؤساء الحكومات السابقين، سيلقى دعماً، وربما «عنعنة» مع الإشارة الى أن أحد أعضاء النادي، أعني الرئيس نجيب ميقاتي، سبق وقبل أيام واقترحه لرئاسة الحكومة، على أن تكون تكنو-سياسية، من عشرين وزيراً.
8 – في اللقاء مع التيار الوطني الحر، ورئيسه.. سيعاد على مسامع الرجل، ما سبق واشمأز منه، ونفر في يوم ما، ولكن على طريقة مكره أخاك لا بطل، يمضي الفريقان الى التعاون، ما دامت مبادرة الرئيس ماكرون، هي السقف.. وإن بدا النائب جبران باسيل قلقاً، أو خائفاً، فبسبب أن الأليزيه، يعطي الأولوية للحريري على الفريق الماروني، الذي يمثله باسيل، وظن لوقت من الأوقات، انه ربما كان الإبن المدلّل لفرنسا.. «الأم الحنون» وصانعة لبنان من أجل ان يحكمه المسيحيون أو الموارنة، الأكثر اقتراباً أو إلتصاقاً بالغرب الكاثوليكي، من فرنسا الى إيطاليا.
9 – بعيداً عن «الزعَل»، الذي أصاب علاقة الرئيس المرشح، والطامح الى التكليف والتأليف، بصاحب معمل «لبن العصفور» اللبناني- الجنوبي، العربي، الفرنسي، أي الرئيس الثاني في الجمهورية، فإن طبيعة اللقاء، وصيغته مع الرئيس الحريري، بالنسبة «للثنائي الشيعي» معروفة سلفاً، لكنها مجهولة النتائج، فما في المعلن، قد يكون غيره في المخفي، أو المستتر… فما يطرحه هذا الثنائي، لا سيما حزب الله، قد يكون من نوع المواكبة، أو لزوم ما لا يلزم.. فلا أحد بإمكانه أن يتحكم بمجريات الأمور (راجع عدد اللواء السبت الماضي، لجهة لائحة الشروط الشيعية، على الرئيس المرشح لتأليف الحكومة)..
10 – لا يكفي أن يكون «الثنائي» قد انخرط في عملية التفاوض مع اسرائيل، بصرف النظر عن العداء او الحرب، أو «الشر المطلق»، وليضمن جانب الخروج منفرداً من «العزلة المفروضة» على البلد..
11 – قد يدرك هذا «الثنائي» او لايدرك ان عملية الخلاص لجهة بمفردها، باتت غير ممكنة.. فلا يكفي الحزب ان يعلن أن لا شأن للدولة بتمويله.. وأمواله من الخارج (ايران) حتى يسلم من «اللواذع» النارية للأزمات الملتهبة، من نيران الحرائق، الى نيران المنازل، فضلاً عن نيران الدولار والأسعار، ونهر الانهيار..
12 – قدم الحريري في مطالعته السياسية، عبر حوار الـ «MTV» المطول إغراءات بأنه القادر على إعادة «ضخ الدولار» بالبلد، وبالتالي فلا حاجة لرفع الدعم عن المحروقات او استنفاد ما تبقى من مليارات دولارات المصرف المركزي، والذي اتفق مع المصارف على الاستمرار في تمويل نفقات الدولة..
13 – لكن، السياسة، أياً يكن ممثلوها، لا تشتري «السمك بالماء»، ولا تدفع ثمنه سلفاً، فكل شيء يتوقف على التجربة، أو «الميّ التي تكذب الغطاس».
ليس من الغلو، القول، أن «العقدة الشيعية»، قد تكون الأصعب والأسهل، في وقت واحد.. وعلى «المتفاوض» الإقلاع عن التذاكي أو التقدير الخاطئ للمعطيات.. فالوقت بالنسبة للبنان ليس من ذهب وحسب، بل بات يساوي الدولار والذهب والفضة، وكل شيء، في مسار داخلي، أصبح في القعر.. وانتشاله من هناك.. يحتاج الى إرادة وتضحية، لا إلى مكابرة او استكبار!
الوسوم
عقدة الثنائي
newsadmin
148 4 دقائق