الحدث
خلاصات على هامش وقف النار في “ناغورنو قره باغ “
كمال خلف
دخل وقف النار حيز التنفيذ بين الجارتين ارميينا واذربيجان في الاقليم المتنازع عليه في جنوب القوقاز . وان كان وقف االنار هذا مازال هشا الى ان ثمة خلاصات يمكن الوصول اليها منذ اندلاع الازمة هناك حتى اعلان وقف النار، من دون ان نعلم حقيقة ان كان وقف النار سوف يؤسس لحوار سياسي ينزع فتيل الازمة ام انه محطة تواصل بعدها الاطراف الصراع .
اولى تلك الحقائق الثابتة تقول ان اندلاع القتال بين يريفان وباكو ليس سوى انعكاس لصراع اوسع بين قوى اقليمية ودولية يمتد هذا التنافس من واشنطن الى بكين ويمر بتل ابيب وانقرة وموسكو وطهران. واولى الخلاصات حتى الان تشير الى ان يد موسكو هي الاعلى والاكثر تاثيرا على طرفي النزاع في اقليم “قراه باغ” وهذا تمثل في قدرتها على جمع وزيري خارجية البلدين في مفاوضات استمرت عشر ساعات افضت الى فرض موسكو وقف النار في الاقليم .
الملاحظة الهامة الاخرى هي تحول تركية الى الراعي الاصيل للجماعات الجهادية والمتحكم بها والمستعمل لها بعد ان نقلت جماعات منها للمرة الثالثة في غضون 10 سنوات نحو اذربيجان للقتال ضد ارمينيا وقبلها شحنتهم الى ليبيا وسبق ذلك ان ادخلتهم الى سورية لاسقاط النظام .
في المرة الاولى نحو سورية جرى ذلك باذن امريكي ولكن هل الامر كذلك في المرات التالية في ليبيا وقره باغ . يصعب تصور ان انقرة تفتح خطوط نقل هذه الجماعات الارهابية على حسابها ومن دون محاسبتها او ادانتها على الاقل ما يعني ان الوكالة الحصرية التركية الان لهذا الجماعات تتم بموافقة امريكية؟
فهل وضع تلك الجماعات في جنوبي القوقاز يماثل من حيث الخطورة على موسكو تمركزهم في ليبيا وسورية؟ بالطبع لا ، الوضع الان يمس الحديقة الخليفة لموسكو والفضاء الحيوي لها وليس مناطق نزاع بعيدة . وبالتي لم يكن امام روسيا سوى ممارسة اقصى انواع الضغط على طرفي النزاع لوقف النار. تبرز تركية مجددا في ازمة “قره باغ” في مسارين يتكرران في مناطق نزاع تدخلت تركية بها خلال العقد الماضي . المسار الاول التماهي مع السياسات الامريكية حدث ذلك بشكل جلي في سورية عبر التنسيق معها لاسقاط النظام وتنظيم غرف عمليات مشتركة على حدود سورية في تركية والاردن . وفي ليبيا بشكل اقل وضوحا لكن يمكن تلمسه. والان في النزاع الاذري الارميني. اما المسار الثاني يتمثل في الاحلام التاريخية للعثمانية حيث تظهر تركية في كل نزاع يقع ضمن الحدود التاريخية للسلطنة العثمانية واصبحت المواقف التركية والتصريحات حول الاحداث العالمية والنزاعات الدولية تربط بالجذور التاريخية للدولة العثمانية.
في خلاصات المشهد يبدو احد اهداف مفجري النزاع في اقليم “قره باغ” يتمثل في ارباك ايران في موقفها وفي داخلها وعلى حدودها واشغالها بازمة لها تاثيراتها السلبية على طهران ايا كان الطرف الغالب في القتال . فالقومية الاذرية احد اهم القوميات في ايران ووقوف ايران مع ارمينيا سوف يخلق لها مشكلات داخلية مع ابناء القومية الاذرية وهو ما ظهرت بوادره بشكل محدود. بالمقابل تدعم اسرائيل وامريكا اذربيجان ولا يمكن لايران ان تقف في صف اسرائيل في اي نزاع ولا يمكن ان تقف موقف المتفرج. ولا تستطيع ايران الوقوف ضد باكو ذات الغاليية الشيعية في صف ارمينيا المسيحية، ولكن لا تحتمل ايران نقل تركية المقاتلين الراديكاليين السنة الى حدودها عبر اذربيجان بعد ان قاتلتهم في سورية بهدف حماية الامن القومي ومناطق نفوذها وخط امدادها الى المقاومة في لبنان وهنا تتلاقي المصلحة العليا الايرانية مع موسكو في وقف القتال باي ثمن .
وفي الوقت الذي تنحاز تركيا إلى جانب أذربيجان بشكل معلن تسعى كلا من روسيا وإيران لوقف إطلاق النار وإطلاق مسار سياسي . حتى الان نجح خيار موسكو طهران وهو خيار يجنبهما الوقوع في فخ الاهداف الحقيقة لاشعال الحرب بالقرب منهما . لكن هذا النجاح ما زال هشا وفي موضع امتحان. ان كانت روسيا وايران سوف يطوران وقف النار الى محادثات سياسية تنزع فتيل الازمة ام ان الاطراف ذات المصلحة باندلاع القتال مجددا سوف تنجح في افشال جهود وقف النار .
تبدو مناطق القوقاز واسيا الوسطى على موعد من مرحلة جديدة عنوانها تصعيد النزاعات وفتح بوابات التوتير اذ تعتبر تلك المناطق حيوية واساسية لمشروع الحزام والطريق الصيني وبروز النفوذ الصيني في اسيا الوسطى يدفع واشنطن للاهتمام بتلك المناطق وحرمان الصين من الافادة منها في مشروعها الاقتصادي العالمي. وقد تضعف تلك النزاعات والاضطربات في مناطق القوقاز واسيا الوسطى روسيا فيبؤر النزاع في ليبيا وسورية وتعيدها لترتيب محيطها الحيوي وحماية امنها االقومي بالاضافة الى كونها ستزيد القلق الايراني بعد وصول اسرائيل الى الضفة الاخرى من الخليج عبر التحالف مع الامارات والاضطرابات المفتعلة على حدودها الشمالية مع وجود التاثير الاسرائيلي والدعم الامريكي في كلا الجبهتين .
كاتب واعلامي فلسطيني
المصدر: كمال خلف