“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
تحرّكت المياه الحكومية الراكدة. مبدئياً، يجري التعامل مع “حجر الحريري” الذي رماه نهار الخميس على أنه النقطة التي سيفيض بها كأس الحكومة. انها مبادرة الفرصة الاخيرة، فإما يجري تلقفها والبدء العملي بمناقشتها، او ان الأمور ستذهب نحو الاطاحة ليس فقط بما تبقى من المبادرة الفرنسية بل بالحد الادنى من هامش الاستقرار الاجتماعي على أبواب الذكرى الاولى لـ ١٧ تشرين، خلاصة رأي أوساط مقربة من بيت الوسط.
عملياً، الاتصالات التي أجراها الحريري خلال الساعات الـ 72 الماضية أفضت الى اجواء “جيدة يبنى عليها” أساسها فتح صفحة النقاش مع الحريري الذي سيتولى في غضون الايام المقبلة افراغ ما في جعبته من طروحات حكومية بالمباشر وامام المعنيين بعد أن يُدشن زيارته إلى قصر بعبدا ولقاء رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم. لقاء يعوّل عليه الكثير وسيبنى على نتائجه خلال الأيام المقبلة بعدما رفعت قوى سياسية مكانته إلى حدود أن جعلته بوصلة تُحدّد تحركاتها على أساسه. إذاً المطلوب إنجاح اللقاء كي يُستأنف مسار الحركة الايجابية.
في الأساس، يأتي لقاء الحريري بعون بعد قطيعة طويلة دامت نحو عام، بحكم النزاع المتبادل والسقف المرتفع بين الجانبين. أكثر من محاولة جرت لطيّ صفحة الخلاف بينهما كان آخرها محاولة سبق وان عمل رئيس مجلس النواب نبيه بري على انضاج ظروفها دون أن يُكتب لها النجاح لأسباب عدّة من بينها تشدّد الحريري. من جانب عون كان وما زال يعتبر ان الحريري بمثابة “ابنه” وابوابه مفتوحة له. الآن لم تتغير بالنسبة إلى القصر أي من تلك الاعتبارات. عند أوّل فرصة تلقّفَ القصر مبادرة الحريري وسرّب تعليقات ايجابية حولها، وعندما بادرَ رئيس تيار المستقبل إلى الاتصال بالقصر ووضع رئيس الجمهورية بصورة مبدئية لمسعاه، اوعزَ الأخير إلى فريقه أن افتحوا الباب له. على هذا الأساس سيتجاوز لقاء عون بالحريري البروتوكول وسيمضي قدماً باتجاه مصارحة فمصالحة سيبنى عليها أي تطور حكومي مستقبلاً.
بالنسبة إلى التّيار الوطني الحرّ، سيكون لقاء عون – الحريري بمثابة بوصلة لتأمين ظروف لقاء الحريري – باسيل المتوقع في غضون اليومين المقبلين في حال سار خط بعبدا – بيت الوسط كما هو متوقّع. مصادر مطلعة على موقف التيار تقول لـ “ليبانون ديبايت” أن الجليد كُسر عملياً بين الزعيمين الأزرق والبرتقالي في أعقاب “الاتصال الكوروني” الذي أجراه الرئيس سعد الحريري بالوزير جبران باسيل. صحيح أن النقاش يومها لم يدخل ويتعمّق بالتفاصيل السياسيّة، لكنه عملياً انهى قطيعة طويلة وطريقاً محموماً بين الجانبين، والآن التعويل على أن يدخل اللقاء في تفاصيل المتوقّع بعمق مقترح الحريري لرئاسة الحكومة من دون العودة إلى خطوط تماس الماضي.
شيعياً، ينظر الثنائي أمل وحزب الله بعين إيجابية إلى كل ما يحدث من تطوّرات من حوله بدءاً باقتراح الحريري تسمية نفسه وصولاً إلى المشاورات المبدئية والتي يلتمس منها نوايا صالحة لدى القوى كافة. عملياً الحريري كان مرشح الثنائي منذ البداية. بالنسبة إلى الحزب والحركة، الحريري هو من عاد إلى الخطوط الطبيعية و “الثنائي” لا مشكلة لديه بملاقاة الحريري في منتصف الطريق ليستبقيه إلى مائدة الحكومة ضمن الشروط التي أعلن الثنائي عنها وباتت بالنسبة إليه من الثوابت. مع ذلك، لا تستبعد مصادر مطلعة على موقف الثنائي ان يقدّم الأخير تنازلات للمصلحة العامة من اجل انجاح المهمة في حال حملت “مبادرة الحريري” أفكاراً جديدة، ل وطالما ان التنازلات لن تمسّ بجوهر المطالب الشيعية ولن تستخدم في نيّة الاقتصاص منه، وطالما أنها تأتي انسجاماً مع المكتسبات السياسية المعلومة من قبل الجميع، لذا هو ينتظر ما سيتقدم به الحريري. حتى ذلك الحين، “الثنائي” سقفه ما زال ذلك الذي أبلغ إلى السفير مصطفى أديب وهو –أي الثنائي- ليس بوارد تقديم أكثر من ذلك حالياً. هذا الكلام يوحي بشيء من المرونة من جانب الثنائي. التركيز الآن ينصب على طريقة تعاطي الحريري، وعبور طريق “خميس الأسرار” يبدأ بخطوة تجاه الثنائي والتيار.
مع ذلك، فإن موعد الخميس ورغم كل الأجواء الراهنة ما زال غير ثابت. تمسك الحريري بتشكيل حكومة من إختصاصيين فقط كما سبق وأعلن قد يجعل الاتفاق معه شبه معدوماً ومبادرته ساقطة. الأمور بحاجة لنضوج اكثر إذاً، فثمة مساع يفترض أن يبذلها الحريري أبعد من خطوط قصر بعبدا – ميرنا الشالوحي – الضاحية – عين التينة، فانضاج العلاقة مع المختارة أمر مطلوب لتسيير أعمال الحكومة.
الأيام الفاصلة عن موعد الخميس غير كافية بشهادة العارفين بخطوط التواصل، وقد يطلب الحريري أو الآخرين مهلة إضافية افساحاً في المجال أمام تأمين أوسع مروحة اتصالات. هنا، يُصبح تأجيل موعد الإستشارات الملزمة اسبوعاً أو أقل خياراً مرجحاً، رغم أن مجموعة قوى ابدت نيّتها الإفصاح عن موقفها النهائي من “مبادرة الحريري” قبل موعد الاستشارات بيوم. في المقابل، تحاول قوى أخرى الاستفادة من الجو الراهن عبر إفساح المجال المريح وفتح باب المشاورات والمفاوضات ضمن مهلة موسّعة دون ان تكون فضفاضة، وذلك بعد ان تسمع من الحريري “افكاراً جديدة”.