كتب منير الربيع في “المدن”: لا تكليف ولا تأليف ولا مساعدات دولية. هذه اللاءات الثلاث يمكن استنتاجها من جملة معطيات ومعلومات أصبحت متوفرة في الكواليس السياسية. وهذا بعدما كان الرهان المحفّز على إعادة تحريك الملف الحكومي، وتحديد موعد الاستشارات النيابية، قد انطلق من تحديد موعد أول جلسة تفاوض بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود.
تموضع وخلافات
فبعض اللبنانيين اعتبر أن المفاوضات لا بد أن تفتح ثغرة في الجدار. وسارع كل من الأطراف السياسية اللبنانية إلى البحث عن موقع له، تماهياً مع المفاوضات التي قد تؤدي إلى تقديم مساعدات للبنان. لكن الأجواء الدولية تفيد أن ليس من جهة دولية مستعدة لتقديم المساعدة. فالولايات المتحدة الأميركية لن تقدم أي تنازل، لقاء موافقة لبنان على بدء المفاوضات. فغاية واشنطن الأولى من المفاوضات هي استخدامها لصالح دونالد ترامب في معركته الانتخابية. أما الحديث عن المساعدات فمؤجل إلى ما بعد الانتخابات، والتقدّم في عملية الترسيم وتقديم تنازلات متبادلة.
وستؤسس المفاوضات للمزيد من الخلافات بين القوى السياسية اللبنانية، كما حصل في تعيين الوفد المفاوض: حماسة عون وباسيل لفكرة مشاركة شخصيات مدنية وديبلوماسية. ورفضه حزب الله القاطع لهذه المشاركة، خصوصاً مشاركة وزير الطاقة، أو مدير عام الوزارة، أو مدير مكتب وزير الخارجية. لأن ذلك يعني تمثيلاً سياسياً، تريده إسرائيل لإظهار المفاوضات خطوة دولة جديدة على طريق التطبيع أو اتفاق السلام.
وضغط حزب الله على عون لتغيير تركيبة أعضاء الوفد. لكن عون لا يزال في مساحة آمنة، لأنه لم يطلق أي موقف علني بهذا الخصوص. ويمكن حصر التمثيل بالشخصيات العسكرية والتقنية فقط. لكن لا شك في أن هذه المسألة ستنعكس سلباً على علاقة الطرفين، في سياق مشكل مؤجل تراكمي الطابع. وهو سيتفاعل أكثر لدى الدخول في تفاصيل عملية التفاوض والترسيم، والتنازلات التي يمكن للبنان تقديمها، وتؤسس لمزيد من الخلافات بين عون وحزب الله.
حزب الله: مفاوضات بلا حكومة
أي حكومة ستشكل ستكون عرضة لمزيد من الضغوط والشروط والخلافات، إضافة إلى مواكبتها حرجاً سياسياً هائلاً على وقع مفاوضات ترسيم الحدود. ولذلك لا توقع بتقديم أي مساعدات للبنان.
وهذه القراءة لا تنفصل عن قناعة غالبية لبنانية بأن حزب الله لا يريد تسهيل تشكيل الحكومة قبل موعد الانتخابات الأميركية ونتائجها. فحزب الله اكتفى ببيعه الأميركيين ورقة الموافقة على مفاوضات ترسيم الحدود. وهو لن يبيع ورقة الحكومة، وخصوصاً أن واشنطن غير مستعدة لشرائها حالياً. وما يدفع حزب الله إلى السماح بتشكيل الحكومة، هو أن تأليفها بشروطه.
وحزب الله لا يزال على شروطه، متمسكاً بوزارة المال وتسمية الوزراء الشيعة واختيار حقائبهم، إلى مناقشة البيان الوزاري والخطة الإقتصادية مسبقاً. وهو مقيم على رفضه الالتزام بشروط صندوق النقد الدولي. فهل يقدر الحريري على تشكيل حكومة من هذا النوع؟ الأرجح لا. فهذه الشروط كلها تطيح معادلة تشكيل الحكومة.
لاحكومة حريرية بلا باسيل
أما الحريري فوضع نفسه في مكان حرج، سياسياً وحكومياً. فهو يسرّب أنه بدأ مشاوراته مع القوى للبحث عن فرص تشكيل الحكومة. لكن الجواب السريع الذي سيتلقاه هو: لماذا تطلق مشاورات سياسية، ومنعت مصطفى أديب من ذلك؟ وسيصطدم بالشروط التي ستتضح أكثر فأكثر، وقد تطيح بعملية التأليف.
والتيار العوني ليس في وارد القبول بمعادلة سعد الحريري في الحكومة وجبران باسيل خارجها. ولن يمنح التيار إياه الحريري شيكاً على بياض في عملية التشكيل، وستواجهه شروط كثيرة على الطريق.
ورطة الحريري
وقبل الوصول إلى البحث عن الدعم الدولي والتأليف، لا بد من السؤال عن مصير التكليف. فأي شخصية مرشحة لتولي رئاسة الحكومة، تكون ضعيفة جداً أمام مسألة التكليف، كي تحتفظ به وتبدأ مفاوضات التأليف.
قد يستخدم الحريري ضعفه لنيل التكليف، فيتمسك به ليجعل موقعه أفضل في المفاوضات. وهذا لأن لا مهلة محددة تكبله لإنجاز تشكيلته.
لكن مسألة التكليف اليوم مختلفة عنها في السياقات الطبيعية. لذا سيتم إلزام الحريري بشروط كثيرة، لينال أصوات الكتل، وخصوصاً أصوات نواب تكتل لبنان القوي، وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي. فيما تتمسك القوات بتشكيل حكومة اختصاصيين.
وهل يقدر الحريري على تقديم الالتزامات المطلوبة منه لحزب الله والتيار العوني للحصول على أصواتهم؟ تشير المعطيات إلى صعوبة ذلك. وفي حال تمكنه من ذلك قد لا تكون المهلة الفاصلة عن موعد الاستشارات، كافية. وقد تندفع بعض القوى السياسية إلى المطالبة بتأجيل الاستشارات، بحثاً عن المزيد من التشاور لإنجاز التوافق.
المدن