يتوقّع البنك الدولي أن يزداد عدد الذين يعيشون في فقر مدقع حول العالم إلى ما بين 88 مليون شخص و115 مليوناً في عام 2020 و150 مليوناً في عام 2021، لكن هذه الأرقام لا تشمل لبنان لأن المعطيات الإحصائية الأخيرة المتوافرة عنه تعود إلى عام 2011، ما يعني أن استبدال دعم استيراد السلع الأساسية ببرنامج استهدافي للفقراء لن يكون مجدياً
مكافحة الفقر «نسبية»
للوهلة الأولى، يترك التقرير انطباعاً بأن البنك الدولي كان رائداً في مكافحة الفقر حول العالم في اتجاه القضاء النهائي عليه، لكن التدقيق في المعطيات يشير إلى أن تراجع معدلات الفقر حول العالم ينطوي على سبب رئيس يتعلق بتراجع عدد الفقراء في الصين التي تمثّل الوزن الأكبر لجهة عدد السكان. بمعنى آخر، أي تغيّر كبير في عدد الفقراء في الصين، سينعكس تغيّراً إيجابياً على الأعداد الإجمالية حول العالم.
لكن البنك الدولي يفضّل المراوغة. فهو يشير إلى أن تركّز الفقراء ارتفع في عدد من الدول مثل جنوب الصحراء الأفريقية بسبب عوامل مناخية كالفيضانات، وفي الشرق الأوسط حيث ازدادت النزاعات المسلّحة، ويستنتج بأنه «في الدول الفقيرة لا تتحسّن الأحوال بالدرجة نفسها في دول الدخل المتوسط والمرتفع، وهو ما يزيد الفوارق بين هذه المجتمعات». بمعنى آخر، يقرّ البنك بأن مساهمته في مكافحة الفقر ليست فاعلة في الدولة الفقيرة خلافاً لما هي عليه في دول أخرى.
وهذا ما يستدلّ عليه من «مؤشر الرخاء المشترك» الذي يعدّه البنك ويعبّر عن تحسّن مستوى العيش وزيادة المشاركة في الموارد بين طبقات المجتمع. ففي الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى كان «الرخاء» 2.9%، وفي الدول ذات الدخل المرتفع كان 2.7%، أما في الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى فكان 1.8%، وفي الدول ذات الدخل المنخفض كان 0.2%.
رغم ذلك، يعتقد البنك الدولي أن جائحة «كوفيد-19» ستحدث تغييراً في ديموغرافية الفقر لتطاول المناطق الحضرية بدلاً من تركّزها في المناطق الريفية. «بين عامَي 2015 و2018 زادت نسبة الريفيين الفقراء. من بين كل 5 أفراد يعيشون تحت خطّ الفقر هناك 4 منهم يعيشون في المناطق الريفية»، لكن الفقر سيزداد في المناطق الحضرية ذات التركّز السكاني (المكتظة لأنها عرضة أكثر للإغلاق وانتشار الوباء). كذلك، يقدّر البنك أن ينكمش الناتج المحلي العالمي بين 5% و8% وأن يكون أثره الأكبر في البلدان ذات معدلات الفقر المرتفعة «العالم مقبل على فترة ستزداد فيها اللامساواة في الدخل إذا لم يتم التدخل عبر سياسات دعم الفقراء التي تأخذ في الاعتبار التغيّر في تركيبة الفقراء».
لبنان: %45
في هذا السياق، تظهر بوضوح أيادي البنك الدولي في لبنان. فهو تبنّى منذ سنوات برنامجاً لاستهداف الفقراء سرعان ما استُغلّ زبائنياً من دون أي فاعلية حقيقية (البنك لا يمكنه إصدار نتائج عن مدى تحسّن حالة الفقراء في لبنان)، وهو اليوم يروّج لتحرير أسعار السلع المدعومة الاستيراد، واستبدالها ببرنامج استهدافي لدعم الفقراء لن يكون مختلفاً عن سابقه كأداة زبائنية لشراء الولاءات السياسية. لكن المشكلة الأكبر في هذا البرنامج أنه لن يكون استهدافياً بالمعنى الحرفي. فالتقرير الصادر عن البنك الدولي لا يذكر أي معطيات عن فقراء لبنان لأن المعطيات الإحصائية المتوافرة تعود إلى عام 2011، ولا يعتمد حتى تقديرات مكتب البنك الدولي في لبنان التي تشير إلى أن معدلات الفقر سترتفع إلى 45% (3 ملايين من بينهم 1.7 مليون في 2020) ومعدلات الفقر المدقع سترتفع إلى 22% (1.5 مليون من بينهم 685 ألف في 2020). لذا، فإن أي آلية دعم لن تكون مجدية في مكافحة الفقر في لبنان، بل ستعزّز قنوات التصنيف الزبائني – السياسي للفقر والفقراء. وبما أن البنك الدولي يعمل في إطار متكامل مع شقيقه صندوق النقد الدول، فإن كل ما يقترحه أو يروّج له، لن يكون خارج «مسار» تحرير الأسعار وأولها سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ثم خصخصة أصول الدولة ومنحها للقطاع الخاص، وتقليص القطاع العام باعتباره نزفاً لموارد المالية العامة… في النتيجة سيكون هناك المزيد من اللامساواة في المداخيل والثروة، ولن يكون لبنان مختلفاً عن تلك الدول التي تغرق في الفقر ولا تطاولها تحسينات البنك الدولي وشقيقه «الصندوق» ولو كانت أدوات المكافحة مختلفة شكلاً، إلا أن النتائج لن تكون مختلفة. فلبنان يغرق في الفقر الريفي، ومدنه الحضرية سيطاولها الفقر بسبب الانهيار المالي – النقدي – المصرفي وفوقه جائحة «كورونا»، أما كل ما يفعله البنك الدولي فهو الترويج لمنح لبنان قرض بقيمة 200 مليون دولار لزيادة فعّالية الأدوات الزبائنية وزيادة ديونه بالدولار أيضاً.