ليس مستغرباً ان يوصف المشهد السياسي في الشرق الاوسط بالمتأزم .وليس غريباً ان نرى صراعاً دولياً من الطراز الاول للهيمنة على موارده الاولية و السيطرة على موقعه الجغرافي المميز. فبين الصراع الفرنسي-الايراني و الايراني-التركي يطغى الصراع الاقوى في المنطقة اي الصراع الاميركي – الصيني حول المنطقة العربية. فالمشهد السياسي اليوم بالمنطقة العربية مفعم بالتدخلات الخارجية حيث تسعى الجمهورية الايرانية بمحورها المقاوم للاستقرار في المنطقة بالمقابل نرى الفرنسي و التركي الذي يخوض حرباً وجودية له في منطقة المشرق العربي. و لكن يبقى الصراع الاميركي-الصيني هو الصراع الاقوى حيث ان الولايات المتحدة الاميركية قد حاولت الترويج لتحالف شرق اوسطي تحت مظلة اميركية على غرار حلف شمال الاطلسي و يكون الكيان الاسرائيلي رأس الحربة فيه . لكن هذا الحلف لم يجد نفعاً ولم يحرز الا تقدماً بطيئاً لان المصالح الاقتصادية تلعب الدور الاساسي اليوم داخل كل دولة ، فالكيان الاسرائيلي المعادي للصين ظاهرياً كان قد سمح بالاستثمارات الصينية رغم العداء الصيني– الاميركي ورغم الصراع الكبير بينهما تبقى المصالح الاقتصادية طاغية. فالحليف الاول للولايات المتحدة الاميركية قد غض النظر عن هذا العداء وسعى بجد من اجل مصلحته مما يظهر المزايا الكبيرة التي تقدمها الصين لمن يشاركها في مشاريعها. وفي المقلب الآخر تسعى الصين لتحقيق اهدافها في كل من سوريا و لبنان لتصبح على الساحل الشرقي للبحر المتوسط ،الامر الذي يثير غضب الولايات المتحد الاميركية و يدفعها للعمل على زعزعة الامن في الشرق الاوسط لمنع الصيني من الدخول. فالغاز اللبناني هو غنيمة كبيرة لكل دول الفئة الاولى من العالم، اذ ما ان فتح لبنان دورة التراخيص في البلوكات (1-2-5-8-10) حتى باشرت الشركات الصينية و الروسية بتقديم العروض للدخول في هذه الدورة و بالمقابل اندفع الاوروبي في لعبة شد الحبال و التدخل الفوري في الشأن السياسي اللبناني الداخلي ليبقى صمام الامان الوحيد في المنطقة. ومع وجود مطامع بالموارد الاولية و بالهيمنة على المشرق العربي تتعرض المنطقة كلها لخضة امنية و اقتصادية لابقائها تحت الوصاية وفي غرفة الانعاش كي لا تموت . اذن بات الامر جليا” : لا مهرب من لعبة الدول الكبرى عندما تكون لهذه الدول غايات و مصالح سياسية.
ان الوضع اللبناني اليوم اشبه بحرب باردة، فتارةً تتحرك المنظمات الارهابية في الشمال لضرب الجيش اللبناني والذي هو صمام الامان للوطن اضافة الى التعرض لهيبة الدولة اللبنانية، و تارةً اخرى نشهد خللا امنياً كبيراً بعد تفجير مرفأ بيروت و استقالة الحكومة الى جانب تعيين رئيس حكومة جديد لم يجد سبيلا الا الاعتذار ايضاً عن القيام بمهامه اضافة الى عدم تشكيل حكومة انقاذية للبلاد. فضرب الحكومة اللبنانية يعني ضرب السلطة التنفيذية اي سد كل المنافذ للخروج من الازمات الاقتصادية والمالية و الامنية. بالمختصر المفيد، الوضع غير مطمئن ولايبشر بالخير. فالخارج اعطى الاشارة لضرب لبنان اقتصادياً و مالياً بحجة فساد اداري في الدولة كي يتيح لنفسه فرض الوصاية عليه اضف الى ذلك موضوع بحر لبنان االذي يحتوي على كنز يسد حاجات الدول الاوروبية لعشرات السنين ويؤمن الوسيلة للصين و لروسيا لفتح باب الدخول الى الشرق الاوسط معتمدين على حلفائهما في الداخل، الامر الذي يرهب الاميركيين و الاوروبيين ويقض مضاجعهم. ناهيك عن امورمستجدة ايضا تتصدر العناوين الكبيرة، فالعين اليوم على الانتخابات الاميركية التي من شأنها ان تقلب موازين كثيرة في شتى المجالات حيث يرى البعض انها ستكون السبيل نحو الحلول في المنطقة ككل نظراً لما للولايات المتحدة الاميركية من اهمية في الشرق الاوسط.
نختم بالقول هنا ان القوى الاقليمية تعمل وفق استراتيجية واضحة المعالم لتعزيز نفوذها في المنطقة العربية المنهكة اساساً و هي تحاصر العالم العربي من كافة جهاته تقريباً من الشرق و الشمال والغرب لا يبقى للعرب اذن سوى المنفذ الجنوبي باتجاه المحيط الهندي و منفذ البحر الاحمر الذي يتعرض ممره الجنوبي اليوم لخطرجسيم من قبل المقاومة الحوثية الاسرائيلي اما الخطرعلى ممره الشمالي فيكمن بتربص الكيان الصهيوني . وعلاوة على ذلك ياتي الحلف الاماراتي-الاسرائيلي ايضاً على جزيرة سومطرة اليمنية ليزيد الطين بلة فيفقد العرب منفذهم الوحيد على المحيط الهندي. ان وضعنا اشبه بمعارك العصور الوسطى حيث بات بامكاننا تصور العالم العربي كمدينة تتعرض لحصار خانقيكتم الانفاس شيئاً فشيئاً والاخطر من ذلك ادراكنا بان مياه هذا الوطن العربي تنبع من تركيا وان نهر النيل اليوم اصبح فريسة للاثيوبي حليف اسرائيل نفسها. انها لحظات مصيرية تمر بها المنطقة و لبنان هوالشرق اوسط الجديد. لننتظر بعد سقوط سايكس بيكو تسمية جديدة للمنطقة و شكل جديد لها وهوعبارة عن كيانات ضعيفة متصارعة ومتناحرة لن يكون لبنان بعيدا” عن تأثيرها و مخاطرها. فكون البعض اختار التحالف مع العدو الاسرائيلي لم يبق امام الامة الا التضامن والاتحاد او اللجؤ الى حليف من الدول الثلاث (ايران – تركيا- الكيان الاسرائيلي) و يبقى الحليف الايراني هو الملاذ في هذا البحر المتلاطم الامواج.
المهندس نادر حسان صفا