لكل بلدٍ طبعاً قضاياه الداخليّة الخاصة به، إلّا أن “صندوق باندورا” لبلدي الحبيب، الهند، غدا اليوم مفتوحاً ومكشوفاً على مصراعيه. فنظام الطبقات عندنا طالما مارس تعاليه على أفرادٍ من المجتمع لا يستحقون ذلك. إذ على مدى عقود نظر نظام الطبقات الهندوسي الصارم إلى “الداليت” Dalits باعتبارهم الطبقة الدنيا من المواطنين. وجاءت الحادثة الفظيعة الأحدث، ذات الصلة بالتمييز الطبقي، لتصدم أمتنا بأسرها، حيث أفيد عن اعتداء جنسي وقع في حقلٍ زراعي ضحيّته فتاة من الـ”داليت” بعمر التاسعة عشرة، وقد جرى تعذيبها من قبل مجموعة رجال ينتمون إلى طبقة الـ”ثاكور” Thakur الإقطاعية ذات السطوة والنفوذ.
ويعتقد أن الضحيّة تعرّضت للخنق، وتكبّدت جراحاً في عنق رحمها، كما جرى هرس لسانها واغتصابها، وقد حدث ذلك في منطقة هاثراس، بولاية أوتار براديش. فوق ذلك، وبعد 24 ساعة من موت الضحيّة، قامت شرطة الولاية بإحراق جسدها مع حلول ليلة 30 سبتمبر (أيلول)، ولم تسمح لأصدقاء الضحيّة وعائلتها بإقامة مأتمٍ لها. وانتشر شريط فيديو مروّع للعائلة المفجوعة، التي بكى أفرادها وألقوا بأنفسهم أمام سيارة الإسعاف، متوسّلين الشرطة كي تسلمهم جسد ابنتهم.
ولم يمضِ وقت طويل على ذلك حتى أفيد عن احتجاز أفراد تلك العائلة المفجوعة داخل منزلهم كي يُضمن عدم عرقلتهم التدابير التي تتخذها الشرطة. وأنا لا أفهم أبداً سبب تصرف السلطات على هذا النحو اللا إنساني. إذ بحسب القانون يحق للعائلة إقامة جنازة ملائمة لابنتها.
وبعد هذه الواقعة وردت أخبار مستجدة عن اعتداء جنسي تعرّضت له امرأة أخرى في الولاية ذاتها. والأمر هنا يجعلني أفكّر كم من الاعتداءات المماثلة وقعت وجرى إغفالها وتجاهلها بسبب الذهنيّة الطبقيّة. كما أنني أتساءل إن كانت الشرطة ستتصرّف بالطريقة عينها مع عائلة من “طبقة عليا”. ويمكن القول إنّه لولا تحرّك الصحافيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت المناسب، لكنّا بقينا غافلين إلى الآن عن كلتا الواقعتين.
في هذا الإطار وبحسب “المكتب الوطني للمعلومات عن الجرائم” NCRB يتعرّض يومياً في الهند كثيرات من نساء الـ”داليت” للاغتصاب، ويحدث معظم هذه الاعتداءات في ولاية أوتار براديش. وما زالت الجرائم البشعة تجري على الرغم من القوانين و”التدابير الاحترازية” المعلنة، كالقانون الصادر في العام 1989 (SC/ST PoA Act) الذي سُنّ كي يُمكن الأشخاص المنتمين إلى الطبقات الدنيا العيش في المجتمع من دون خوف وفي منأى عن العنف الذي تمارسه الطبقات النافذة والمتسلّطة.
ويدرك المسؤولون الحكوميون هذه المسائل، بيد أن القوانين تبقى غير مطبّقة. وأنا هنا لا أُقصر لومي على السلطات والشرطة التي تسمح بوقوع تلك الجرائم المخذية، بل أشمل في لومي أيضاً المواطنين والسكان لعدم إعلائهم الصوت في وجه الجناة، ولتمسكهم بهذا النظام الطبقي التمييزي المستمر. إذ أمام سعي أمكنة أخرى من العالم نحو المستقبل، وعمل الشعوب الدؤوب على تطوير الذكاء الاصطناعي وغيره من المظاهر، ما زال الكثيرون هنا في الهند عاجزين عن تقبّل قوانين وتغييرات بالغة الأهميّة.
ثمة حاجة ملحّة اليوم لتعليم كل طفل منذ ولادته على عدم الامتثال للاخطاء ذاتها التي امتثلت لها الأجيال السابقة. فالهند ومنذ ثمانية أعوام بالتمام ذرفت دموعها إثر الجريمة والاغتصاب الجماعي المروّعين اللذين وقعا على متن حافلة في دلهي بحق فتاة في عمر الثالثة والعشرين تعمل متدربة في العلاج الفيزيائي، ونحن لم نتعلّم شيئاً من تلك الواقعة. وأذكر كم كانت الأجواء في الهند تلك المدة مشحونة بالعواطف. لهذا يصعب عليّ القول الآن، وبعد قرابة عقدٍ من الأعوام، إننا نعود لمعايشة الحال ذاته من جديد.
نظامنا بات متصدّعاً، ونحن كشعب متصدّعون بدورنا. إن لم تقرّر البلاد بأسرها وشعبها بمجمله عمل شيء لبدء التغيير الإيجابي، فإن الأرواح البريئة ستبقى قابعة في المعاناة. علينا أن نستلهم من الناس في الولايات المتحدة، وأنحاء أخرى من العالم، الذين يكافحون ضد التمييز (متضامنون في وقت سابق من هذا العام مع حركة “حياة السود مهمة”)، فننهض من أجل حقوق وامتيازات إخوتنا وأخواتنا، ونصرة جميع من يتعرّضون للتمييز في الهند يوميّاً.
© The Independent