الوقت يضيق ومحاولات الاستغلال مستمرة… المطلوب حسم الوفد اللبناني الى المفاوضات مع اسرائيل
كتبت المركزية: ليس مستغربا ان يبقى الجدل قائما في اسرائيل ولبنان وما بينهما حول مستوى الوفد المفاوض في مقر قيادة القوات الدولية في الجنوب اللبناني بهدف ترسيم الحدود بين البلدين بين كونه عسكريا كما يريده لبنان او مدنيا ودبلوماسيا كما ترغب اسرائيل. وان عبرت الجلسة الأولى المقررة في 14 الجاري بشكلها البروتوكولي فان ذلك لم ولن يحسم الجدل طالما ان لا شيء يوحي بوجود مهل محددة امام الوفدين لاتمام المهمة التي كلفا بها.
وعلى هذه الخلفيات تلتقي مصادر دبلوماسية وعسكرية عند قراءتها للمعادلة التي ستحكم المفاوضات على القول لـ “المركزية” ان الخلاف نشأ بسبب هوية من يدير الملف في البلدين فلكل منهما آليته ومرجعيته عدا عن الفصل الذي قام بين الحدود البحرية والبرية. فالحدود البحرية من مهمة وزارة الطاقة الإسرائيلية ولا علاقة للمؤسسة العسكرية بعملية الترسيم ولا بادارة الثروة النفطية فيما وضع الدستور اللبناني هذا الملف بعهدة رئيس الجمهورية المكلف وحيدا بعقد المفاوضات والاتفاقيات الدولية في ما تبقى إدارة المياه الاقليمية اللبنانية بادارة الجيش اللبناني المكلف بحمايتها.
حاول الاميركيون بالاصالة عن انفسهم وبالوكالة عن اسرائيل فرض الصيغة السياسية والدبلوماسية طيلة المفاوضات السابقة التي انطلقت بشأن الحدود البرية عند ترسيم الخط الأزرق والبحرية من اجل ترسيم الحدود برا وبحرا قبل عقدين من الزمن وتحديدا منذ 25 ايار 2000 تاريخ الانسحاب الاسرائيلي من طرف واحد من جنوب لبنان سواء في الناقورة او في اروقة الامم المتحدة وهو ما رفضه لبنان منذ تلك المرحلة وحتى اليوم. فالمفاوضات العسكرية مع العدو الاسرائيلي هي الآلية الوحيدة المعتمدة في لبنان في اي مفاوضات بين البلدين طالما ان ما هو مطروح قائم مع دولة عدوة لا تربطهما اي علاقات دبلوماسية او تجارية بها.
وبعيدا من هذا الجدل الذي يخضع لكل اشكال الابتزاز السياسي في اي لحظة وهو امر مبرر وله خلفياته الواضحة. سواء في تل ابيب وواشنطن على مستوى الدولة وفي لبنان على مستوى دعاة وانصار محور الممانعة لتبرير بعض التحولات في المواقف والتي يمكن الإشارة اليها بوجهيها على الشكل الآتي:
– على مستوى اسرائيل ومعها واشنطن فانهما يسعيان الى الاستثمار في “اتفاق الاطار” الذي تم التوصل اليه للإيحاء بان لبنان هو الدولة الثالثة بعد الامارات العربية المتحدة والبحرين التي دخلت مرحلة التطبيع الجاري بناؤها مع اسرائيل وهو على لائحة مجموعة الدول العربية التي تستعد للتوقيع على إتفاقيات سلام وتطبيع معها للاستفادة من هذا التطور في الانتخابات الرئاسية الاميركية بداية الشهر المقبل وبغية تحسين صورة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو امام شعبه وهو يتعرض لحملات تشهير سياسية واسعة في الداخل بتهمة الفشل في ادارة ملف “الكورونا” ولتقديمه الى المحاكمة بتهم الفساد الثابتة بحقه وحق زوجته في اكثر من ملف مفتوح منذ فترة طويلة.
– اما على مستوى لبنان فان هناك من يسعى من خارج المواقع الرسمية الى الاستثمار في جوانب من المفاوضات للتأكيد بان المقاومة لن تتوقف وان ما يجري الناقورة مجرد ترسيم لتفاهم جديد يقول بـ “النفط مقابل النفط” تكريسا لصيغة شبيهة بما قال به “تفاهم نيسان 96” الذي استند اليه الاتفاق وهو الذي حمى المدنيين في الدولتين. وكل ذلك يجري بعدما بات ملف المفاوضات على عاتق رئيس الجمهورية. فمهةالرئيس نبيه بري انتهت باعلان التفاهم وبقي على ممثلي الممانعة منع الاستثمار في اي موقف او اجراء اسرائيلي يوحي بامكان السعي الى تفسير ما يجري في هذه المفاوضات كما تريده تل ابيب ولا سيما في موضوع التطبيع والاعتراف بالدولة العبرية لرفع التهمة التي لحقت بثنائي “امل” و”حزب الله” الذي بنيت عليه تعليقات متعددة لمجرد ان اعلان الرئيس نبيه بري بصفته الحزبية والسياسية لـ “اتفاق الاطار” وليس بصفته رئيسا للسلطة التشريعية. وهو امر لن يغير في الموقف الرسمي الثابت بقيادة مفاوضات عسكرية تقنية لا تحتمل ايا من التفسيرات السياسية او الدبلوماسية.
ولذلك يحرص المشرفون على المفاوضات منذ لحظة تشكيل الوفد العسكري والتقني اللبناني على ابعاد اي مسؤول لبناني عن الوفد بصفته الدبلوماسية، على الأقل في المرحلة الاولى من المفاوضات وبانتظار ما يمكن ان تؤدي اليه الجلسات اللاحقة وما تفرضه مجريات عمليات الترسيم فان دعت الحاجة سيشاركون بصفة تقنية وليس باي صفة دبلوماسية او سياسية.
وعليه تنتظر المراجع السياسية والدبلوماسية الجلسة الاولى من المفاوضات الاربعاء المقبل وما يمكن ان ياتي به مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الادنى دايفيد شينكر الذي سيجول على المسؤولين يوم الثلاثاء قبل يوم على الجلسة للبحث في جديد مواقف بلاده ورسالتها المرحبة باستئناف المفاوضات.
وعليه ينتظر المسؤولون اللبنانيون هذه الزيارة للتأكيد على الثوابت اللبنانية ولكن الاهم ان ينتهي لبنان من تشكيل وفده الرسمي قبل وصول شينكر للتأكيد على قدرة لبنان واستعداداته لولوج المفاوضات كما تعهد في اتفاق الاطار ومجمل التفاهمات السابقة التي قادت اليه.
والى تلك المرحلة تبقى ضرورية إدارة المرحلة بمسؤولية مخافة ان تنتصر اسرائيل في تكريس ما فرضته من امر واقع في اكثر من نقطة بحرية وبرية عدا عن تلك الناجمة عن الإتفاق السابق بين لبنان وقبرص العام 2007 والذي كان سببا بان تستفيد اسرائيل من اخطاء قاتلة ارتكبت في بعض بنوده و”نقاطه البحرية” ووقف كل اشكال الاستثمار والمزايدات السياسية الداخلية المنتظرة على خلفية السعي الى الحفاظ على دور سلاح المقاومة، والحاجة اليه، لأن اي اتفاق نهائي سيجعله “خردة” ويمكن ان يصدأ حيث يحتفظ به الحزب بما فيه من رؤوس دقيقة!