كتبت “الأنباء”الكويتية: بعد سنة من استقالته تحت ضغط انتفاضة 17 تشرين 2019، عاد سعد الحريري الى الميدان الحكومي، من بوابة الورقة الإصلاحية الفرنسية، المتناغمة مع مطالب الثوار المطالبين بالإصلاح، والذين يتهيئون الآن لتجديد انتفاضتهم مع اقتراب ذكرى انطلاقتها الأولى، مدعومين بهيكلية تنظيمية أكثر تماسكا، وبمحطة تلفزة ثورية يديرها متطوعون.
في المقابل، يسعى الحريري للتواصل مع الكتل النيابية التي وافقت على “ورقة قصر الصنوبر” بحضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لاستمزاج رأيها بترشيح نفسه من حيث المبدأ، على أساس هذه الورقة، ولبلورة موقفه النهائي قبل يوم الاستشارات النيابية الملزمة في 15 الجاري.
ولا شك ان ثمة مؤشرات دولية حملت الرئيس ميشال عون على تحديد موعد الاستشارات، وجعلت الحريري يتلقف الخطوة الرئاسية، ويبادر الى الترشح.
واضح، ان هناك حالة من الانقشاع السياسي، بدأت تتظهر، منذ تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعد بدء مفاوضات ترسيم الحدود المائية بين ««لبنان وإسرائيل» موحية بتوجه دولي نحو تفريج الأوضاع اللبنانية المعقدة، من خلال الدفع لتشكيل حكومة، لرعاية هذه المفاوضات.
واللافت ان ترشيح سعد الحريري لتشكيل الحكومة، على أساس المبادرة الفرنسية، لانتشال الوضع اللبناني من الحضيض الذي بلغه، ما يعني ان واشنطن وباريس قد تتباينان في أشياء كثيرة إلا حيال ما يصب في خدمة استقرار إسرائيل.
وواضح أيضا ان ثنائي أمل وحزب الله ليسا غريبين عن هذا المشهد، فهما يمثلان الضلع الثالث في مثلث الوصاية الأميركية ـ الفرنسية ـ الإيرانية على لبنان، ولا هما غريبان عن خطوة سعد الحريري الحكومية، المتعطشة الى «لبن العصفور» الذي وعده به الرئيس نبيه بري، ومن هنا، اعتقاد المصادر المتابعة، ان الرئيس الحريري «عقل وتوكل» ولم يكن ترشيحه الحكومي، مجرد خطوة في الهواء.
أما عن موقف ««القوات اللبنانية» من تكليف الحريري، فهو حتى اللحظة غير مشجع، فكلاهما يتهم الآخر بخيانة الود، واذا طال الجفاء أكثر، يمكن للحريري أن يواجه مشكلة ميثاقية، فغياب «القوات» والكتائب عن الحكومة، وربما التيار الحر في حال عدم استجابة الحريري لرغبات رئيسه جبران باسيل، الذي يحاول استغلال احادية وجوده، كماروني الى جانب الحكومة، يصبح اعتماد الحريري على المردة وحدهم، مارونيا.
وقد أيد نائب المردة طوني فرنجية تسمية سعد الحريري، على أساس الورقة الفرنسية، «لكننا لن نحسم خياراتنا قبل يوم الخميس»، كما قال فرنجية لقناة «الجديد». وبمعزل عن موقف وليد جنبلاط الذي لا يقطع شعرة معاوية مع سعد الحريري عادة، مهما تباعدت المواقف، فإن حكومة الحريري المقبلة، قد تغدو معتمدة على ثنائي أمل وحزب الله، والتيار الحر، اذا وافق جبران باسيل على البقاء خارج المشهد الحكومي.
من جهته، التيار الوطني الحر، أصدر بيانا بمناسبة اقتراب ذكرى إخراج العماد ميشال عون من القصر الجمهوري «بصفته رئيسا للحكومة العسكرية في 13 تشرين 1990». وتحدث البيان عن تشكيل الحكومة، حيث قال: «تعتبر الهيئة السياسية أن الأولوية المطلقة، لا تزال لتنفيذ البرنامج الإصلاحي تحت مسمى المبادرة الفرنسية، وهي ترى لذلك أولوية في تشكيل حكومة إصلاحية منتجة وفاعلة برئيسها ووزرائها وبرنامجها».
اما كل كلام آخر فهو خروج عن المبادرة الفرنسية ويتحمل صاحبه مسؤولية إضاعة المبادرة وتضييع الفرصة بحثا عن حلول أخرى، من الواضح أنها غير ناضجة وأنها ليست سوى تكرار لسنة كاملة من المواقف تحت عنوان «أنا أو لا أحد، وانا ولا احد»، فيما المطلوب اعتماد معايير واضحة، متساوية وعادلة لتأليف الحكومة.
هذه المعايير يجب أن تكون معايير الكفاءة والقدرة مع توفير الدعم السياسي للحكومة بإعطائها الثقة النيابية والشعبية.
اما إعادة طرح تشكيل حكومة بالمعايير السياسية التقليدية، فهو امر ممكن، لكنه يكون خارج سياق المبادرة الفرنسية، وهذا له شروطه الخاصة التي نتمسك بها لناحية موجبات الدستور وشرعية التمثيل النيابي التي لا نتنازل عنها إلا لصالح صيغة حكومية، يكون هدفها وقف الانهيار، شرط أن تكون مؤلفة على قاعدة المساواة والتساوي بين اللبنانيين.
وفي هذا الإطار، يؤكد التيار موقفه المبدئي بأحقية كل طائفة أو مكون او فريق سياسي بالحصول على أي حقيبة وزارية من دون التسليم بوجود موانع هي أصلا غير دستورية